غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَّا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (225)

222

اللغو الساقط الذي لا يعتد به من كلام وغيره ولهذا قيل : لما لا يعتد به ولا يخطر من أولاد الإبل في الدية " لغو " وهو في الأصل مصدر لغا يلغو . قال صلى الله عليه وسلم " من قال يوم الجمعة لصاحبه صه والإمام يخطب فقد لغا " واختلف الفقهاء في اللغو من اليمين فذهب الشافعي - وهو قول عائشة والشعبي وعكرمة - أنه قول العرب " لا والله " و " بلى والله " مما يؤكدون به كلامهم ولا يخطر ببالهم الحلف . فلو قيل لواحد منهم : سمعتك اليوم تحلف في المسجد الحرام لا ننكر ذلك ولعله قال : لا والله ألف مرة . ومذهب أبي حنيفة وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد والنخعي والزهري وسليمان بن يسار وقتادة والسدي ومكحول - أن اللغو هو أن يحلف على شيء يعتقد أنه كان ثم بان أنه لم يكن . وفائدة الخلاف أن الشافعي لا يوجب الكفارة في قول الرجل " لا والله " و " بلى والله " ويوجبها فيما إذا حلف على شيء يعتقد أنه كان ثم بان أنه لم يكن ، وأبو حنيفة يحكم بالضد من ذلك . حجة الشافعي أن الآية تدل على أن لغو اليمين كالمقابل المضاد لما يحصل بسبب كسب القلب ، لكن المراد من قوله { بما كسبت قلوبكم } هو الذي يقصده الإنسان على سبيل الجد ويربط به قلبه فيكون اللغو ما تعوّده الناس في الكلام " لا والله " و " بلى والله " فأما إذا حلف على شيء أنه كان حاصلاً جداً ثم ظهر أنه لم يكن فقد قصد الإنسان بذلك اليمين المتصل تصديق قوله وربط قلبه بذلك فلم يكن لغواً ألبتة ، وأيضاً إنه سبحانه ذكر قبل هذه الآية النهي عن كثرة الحلف فذكر عقيب ذلك حال هؤلاء الذين يكثرون الحلف على سبيل الاعتياد في الكلام على سبيل القصد إلى الحلف ، وبيّن أنه لا مؤاخذة عليهم ولا كفارة لأن إيجاب الكفارة والمؤاخذة عليهم يفضي إما إلى أن يمنعوا عن الكلام أو يلزمهم في كل لحظة كفارة وكلاهما حرج في الدين ، فظهر أن تفسير اللغو بما ذكرنا هو المناسب ويؤده ما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لغو اليمين قول الرجل بين كلامه لا والله وبلى والله " وروي أنه صلى الله عليه وسلم مر بقوم ينتضلون ومعه رجل من أصحابه فرمى رجل من القوم فقال : أصبت والله ثم أخطأ فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم : حنث الرجل يا رسول الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : " كل أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة " وعن عائشة أنها قالت : أيمان اللغو ما كان في الهزل والمراء والخصومة التي لا يعقد عليها القلب . وأثر الصحابي في تفسير كلام الله حجة . وقال أبو حنيفة : اليمين معنى لا يلحقه الفسخ فلا يعتبر فيه القصد كالطلاق والعتاق . وأيضاً إنه صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه " أوجب الكفارة على الحانث مطلقاً من غير فصل بين المجد والهازل . وقيل : إن يمين اللغو هو الحلف على ترك طاعة أو فعل معصية ، فبين الله تعالى أنه لا يؤاخذ بترك هذه الأيمان { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } أي بإقامتكم على ذلك الذي حلفتم عليه من ترك الطاعة وفعل المعصية وعن الضحاك أن اللغو هي اليمين المكفرة كأنه قيل : لا يؤاخذكم الله بإثم الحلف إذا كفرتم . وقيل : هي ما يقع سهواً ، والمراد بما كسبت قلوبكم هو العمد ، واختاره القاضي أبو بكر . ثم إن الشافعي قال : معنى لا يؤاخذكم لا يلزمكم الكفارة بلغو اليمين الذي لا قصد معه ، ولكن يلزمكم الكفارة بما نوت قلوبكم وقصدت من الأيمان ولم يكن كسب اللسان وحده . وقال أبو حنيفة : معناه لا يعاقبكم بلغو اليمين الذي يحلفه أحدكم بالظن ، ولكن يعاقبكم بما اقترفته قلوبكم من إثم القصد أي الكذب في اليمين ، وهو أن يحلف على ما يعلم أنه خلاف ما يقوله وهو اليمين الغموس . وقال مالك في الموطأ : أحسن ما سمعت في ذلك أن اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك ثم يوجد بخلافه فلا كفارة . قال : والذي يحلف على شيء وهو يعلم أنه فيه آثم كاذب ليرضي به أحداً أو يعتذر لمخلوق أو يقتطع به مالاً فهذا لا أعلم أن يكون فيه كفارة ، وإنما الكفارة على من حلف أن لا يفعل الشيء المباح الذي له فعله ثم يفعله ، أو أن يفعله ثم لا يفعله مثل : أن حلف ألا يبيع ثوبه بعشرة دراهم ثم يبيع بذلك ، أو يحلف ليضربن غلامه ثم لا يضربه . { والله غفور رحيم } حيث لم يؤاخذكم باللغو في أيمانكم وأخر عقوبتكم بما كسبت قلوبكم لعلكم تتفكرون أو تتوبون عنها .

/خ227