فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَّا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (225)

( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) اللغو مصدر لغا يلغو لغوا ولغا يلغي لغيا إذا أتى بما لا يحتاج إليه في الكلام ، أو بما لا خير فيه وهو الساقط الذي لا يعتد به ، فاللغو من اليمين هو الساقط ، ومنه اللغو قي الدية وهو الساقط الذي لا يعتد به من أولاد الإبل ، ومعنى الآية لا يعاقبكم الله بالساقط من أيمانكم ( ولكن يؤاخذكم ) أي يعاقبكم ( بما كسبت قلوبكم ) أي اقترفته بالقصد إليه وهي اليمين المقصودة ، ومثله قوله تعالى ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) .

وقد اختلف أهل العلم في تفسير اللغو ، فذهب ابن عباس وعائشة وجمهور العلماء إلى أنها قول الرجل لا والله وبلى والله في حديثه وكلامه غير معتقد لليمين ولا مريد لها .

قال المروزي : هذا معنى لغو اليمين الذي اتفق عليه عامة العلماء ، ويدل له الأحاديث ، وبه قال الشافعي .

وقال أبو هريرة وجماعة من السلف : هو أن يحلف الرجل على الشئ لا يظن إلا أنه أتاه فإذا هو ليس ما هو ظنه ، وإلى هذا ذهب الحنفية ، وبه قال مالك في الموطا ولا كفارة فيه ولا اثم عليه عنده .

وروي عن ابن عباس أنه قال لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان وبه قال طاوس ومكحول وروي عن مالك ، وقيل إن اللغو هو يمين المعصية ، قاله سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبد الله بن الزبير وأخوه عروة كالذي يقسم ليشربن الخمر أو ليقطعن الرحم .

وقيل لغو اليمين هو دعاء الرجل عل نفسه كأن يقول أعم الله بصره أذهب الله ماله ، هو يهودي هو مشرك قاله زيد بن أسلم ، وقال مجاهد : لغو اليمين أن يتبايع الرجلان فيقول أحدهما والله لا أبيعك بكذا ويقول الأخر والله لا أشتريه بكذا ، وقال الضحاك : لغو اليمين هي المكفرة أي إذا كفرت سقطت وصارت لغوا والراجح القول الأول لمطابقته للمعن اللغوي ولدلالة الأدلة عليه ( القرطبي 3/100 . ) .

( و الله غفور حليم ) حيث لم يؤاخذكم بما تقولونه بألسنتكم من دون عمد أو قصد ، وأخذكم بما تعمدته قلوبكم وتكلمت به ألسنتكم ، وتلك هي اليمين المعقودة المقصودة ، وقال سعيد بن جبير ( والله غفور ) يعني إذ تجاوز عن اليمين التي حلف عليها ( حليم ) إذ لم يجعل عليها الكفارة .