محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{لَّا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (225)

/ { لا يؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم 225 } .

{ لا يؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم } أي : لا يعاقبكم ولا يلزمكم بما صدر منكم من الأيمان اللاغية إذ لم تقصدوا هتك حرمته وهي التي لا يقصدها الحالف ، بل تجري على لسانه عادة من غير تعقيد ولا قصد إليها . كما ينبئ عن ذلك قوله تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان } {[1286]} وهو المعنيّ بقوله عز وجل { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } أي : تعمدته قلوبكم فاجتمع فيه ، مع اللفظ ، النية . يعني : ربط القلب به لفوات تعظيم أمره ، ولهتك حرمته بنقض اليمين المقصودة .

روي عن عائشة أنها قالت : ( أنزلت هذه الآية في قول الرجل : لا والله ، وبلى والله ! ) أخرجه البخاري ومالك وأبو داود{[1287]} ، وهذا لفظ البخاري .

وقد نقل ابن المنذر نحو هذا عن ابن عمر ، وابن عباس ، وغيرهما من الصحابة والتابعين . ولفظ رواية ابن أبي حاتم عن عائشة قالت : ( إنما اللغو في المزاحة والهزل وهو قول الرجل : لا والله ! وبلى والله ! فذاك لا كفارة فيه ، إنما الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ثم لا يفعله ) .

/ ويروى في تفسير لغو اليمين : هو أن يحلف على الشيء يظنه ، ثم يظهر خلافه . ويروى : أن يحلف وهو غضبان . ويروى غير ذلك ، كما ساقها ابن كثير ، مسندة .

وقد ظهر للفقير أن لا تنافي بين هذه الروايات . لأن كل ما لا عقد للقلب معه من الأيمان فهو لغو بأي صورة كانت وحالة وقعت . فكل ما روي في تفسير الآية فهو يشمله اللغو . والله أعلم .

والمراد من المؤاخذة : إيجاب الكفارة . كما بين ذلك في آية المائدة : { ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان فكفارته } . { والله غفور } يعني : لعباده فيما لغوا من أيمانهم فلم يؤاخذهم به { حليم } يعني في ترك معاجلة أهل العصيان بالعقوبة تربّصا بالتوبة . والجملة تذييل للحكمين السابقين . فائدته الامتنان على المؤمنين ، وشمول مغفرته وإحسانه لهم .


[1286]:[5/ المائدة/ 89] ونصها: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفّارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلكم تشكرون 89}.
[1287]:أخرجه البخاري في: 83 – كتاب الأيمان والنذور، 14 – باب {لا يؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم}. حديث 1996. وأخرجه مالك في الموطأ في: 22 – كتاب النذور والأيمان، حديث 9 (طبعتنا). وأبو داود في: 21 – كتاب الأيمان والنذور، 6 – باب لغو اليمين، حديث 3254.