تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{لَّا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (225)

221

{ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم }

المفردات :

اللغو في اليمين : ما يجري على اللسان دون قصد مثل قوي الإنسان أي الله ، ولا والله فهذا ونحوه يسبق إلى اللسان عادة ولا يقصد به عقد اليمين فلا يؤاخذ الله به .

المعنى الإجمالي :

سامح الله المؤمن في يمين اللغو وهو سبق اللسان بما لا يقصده ، وشدد العقوبة على الأيمان الفاجرة التي يتعمد صاحبها الكذب .

التفسير :

ولا يعاقبكم الله تعالى لا يلزمكم بكفارة ما صدر عنكم من الأيمان اللاغية فضلا منه سبحانه وكرما .

وقد اختلف أهل التأويل في المراد من اليمين اللغو على عدة أقوال هي :

1- اليمين اللغو هي التي لا يقصدها الحالف بل تجري على لسانه عادة من غير قصد الحلف كقول القائل : لا والله وبلى والله ، " أي تجري على لسانه ألفاظ اليمين بدون قصد اليمين " .

2- إن لغو اليمين هو أن يحلف على كل شيء أنه كان فيظهر أنه لم يكن أو شيء يعتقد أنه لم يكن فيظهر أنه كان .

3- هو يمين الغضبان الذي يخرجه الغضب عن اتزانه .

4- هو يمين المكره .

5- هو يمين الناسي الذي يقسم وينسى قسمه فيخالف ما اقسم عليه .

6- هو دعاء الإنسان على نفسه كقوله : إن لم أفعل كذا فأصاب بكذا ، قال زيد بن أسلم : لغو اليمين هو دعاء الرجل على نفسه : أعمى الله بصره ، أذهب الله ماله وهو يهودي ، وهو مشرك وهذا كله لا كفارة فيه على أرجح الأقوال .

{ ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم }

أي أن الله سبحانه رحيم بعباده لا يعاقبهم على أيمان اللغو غير المقصودة ولكنه يعاقب من أقسم به كذبا متعمدا ، لأنه مخادع منافق يقحم اسم الله فيخدع به الناس جلبا لمنفعة أو دفعا لمضرة .

{ والله غفور رحيم }

لا يعجل بعقوبة المسيء لعله يتوب وينيب .

تعقيبات

1-الأيمان الثلاثة :

( أ )يمين لغو : وهي التي لا يقصد بها الحلف أو يحلف ناسيا .

( ب )يمين منعقدة : وهو أن يعقد العزم ويحلف على فعل أمر أو تركه .

فإذا رأى أن يخالف ما أقسم عليه فعل الأولى وكفر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فمن لم يجد فصيان ثلاثة أيام .

وإذا أقسم الحالف على فعل معصية أو ترك طاعة فواجب عليه أن يخالف ما أقسم عليه ويكفر عن يمينه .

( ج ) يمين غموس أو فاجرة : وهو الحلف بالله متعمدا الكذب ، وهي غموس لا كفارة لها إلا الغموس في نار جهنم .

روى مسلم وعيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار " ( 218 ) .

2- قال مالك في الموطأ : " أحسن ما سمعت في هذا اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك ثم يوجد بخلافه ، فلا كفارة فيه ، والذي يحلف على الشيء وهو يعلم أنه آثم كاذب ليرضي به أحد ، أو يعتذر لمخلوق ، أو يقتطع به مالا ، فهذا أعظم من أن يكون فيه كفارة على من الحلف ألا يفعل الشيء المباح له فعله ثم يفعله ، أو أن يفعله ثم لا يفعله ، مثل إن حلف من يبيع ثوبه بعشرة دراهم ثم يبيعه بمثل ذلك أو حلف لي ليضربن غلامه ثم لا يضربه " ( 219 ) .

قال ابن كثير في تفسيره : " روى ابن أبو حاتم عن عائشة أنها كانت تتأول هذه الآية وتقول : هو الشيء يحلف عليه أحدكم لا يريد منه إلا الصدق فيكون على غير ما حلف عليه ، ثم حكى نحو ذلك عم أبى هريرة وسليمان بن يسار وسعيد بن جبير والحسن ومكحول وطاوس وقتادة وغيرهم " ( 220 ) .

روى أبو داود عن سعيد بن المسيب : ( أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسأل أحدهما القسمة فقال : إن عدت تسألني القسمة فكل مالي في تاج الكعبة . قال له عمر : إن الكعبة غنية عن مالك ، كفر عن يمينك وكلم أخاك ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب عز وجل ولا في قطيعة الرحم ولا فيما لا تملك )( 221 ) .