السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَّا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (225)

{ في أيمانكم } واللغو : كل مطروح من الكلام لا يعتدّ به .

واختلف أهل العلم في اللغو في اليمين المذكور في الآية ، فقال قوم : هو ما سبق إلى اللسان على عجلة ، لصلة كلام من غير عقد ولا قصد ، كقول القائل : لا والله ، وبلى والله ، وكلا والله ، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : لغو اليمين كقول الإنسان : لا والله ، وبلى والله ، ورفعه بعضهم ، وبهذا قال الشافعي رضي الله تعالى عنه ، وقال قوم : هو أن يحلف على شيء يرى أنه صادق ثم يتبين أنه خلاف ذلك وبه قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وقال زيد بن أسلم : هو دعاء الرجل على نفسه كقول الإنسان : أعمى الله بصري إذا لم أفعل كذا ، وكذا فهذا لغو لا يؤاخذ الله به ، قال تعالى : { ويدعو الإنسان بالشرّ دعاءه بالخير } ( الإسراء ، 11 ) وقال تعالى : { ولو يعجل الله للناس الشرّ استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم } ( يونس ، 1 ) .

{ ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } أي : قصدته من الإيمان إذا حنثتم { والله غفور } حيث لم يؤاخذكم باللغو { حليم } حيث لم يعجل بالمؤاخذة على يمين الجدّ تربصاً للتوبة .

تنبيه : اليمين لا ينعقد إلا بالله العظيم ، أو باسم من أسمائه ، أو صفة من صفاته ، فاليمين بالله كأن يقول : والذي أعبده والذي نفسي بيده وبأسمائه ، كأن يقول : والله والرحمن وبصفاته ، كأن يقول : وعزة الله ، وعظمة الله وجلال الله فإذا حلف بشيء من ذلك على أمر مستقبل ، ثم حنث وجبت عليه الكفارة ، وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى في سورة المائدة ، وإذا حلف على أمر ماض أنه كان ولم يكن ، وهو عالم به حالة ما حلف فهي اليمين الغموس ، وهي من الكبائر ويجب بها الكفارة ، كما قاله الشافعيّ رضي الله تعالى عنه . وقال بعض العلماء : لا كفارة فيها كأكثر الكبائر . وأما الحلف بغير ما ذكر كالحلف بالكعبة وبيت الله ونبيّ الله أو بأبيه ونحوه فلا يكون يميناً ولا تجب به الكفارة إذا حنث وهو يمين مكروه .

روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر وهو يسير في ركب ، وهو يحلف باسمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ) .