النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{لَّا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (225)

قوله تعالى : { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغوِ فيِ أَيْمانِكُم } أما اللغو في كلام العرب ، فهو كل كلام كان مذموماً ، وفضلا لا معنى له ، فهو مأخوذ من قولهم لغا فلان في كلامه إذا قال قبحاً ، ومنه قوله تعالى :

{ وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ }

[ القصص :55 ] . فأما لغو اليمين التي لا يؤاخذ الله تعالى بها ، ففيها سبعة تأويلات :

أحدها : ما يسبق به اللسان من غير قصد كقوله : لا والله ، وبلى والله ، وهو قول عائشة ، وابن عباس ، وإليه ذهب الشافعي ، روى عبد الله بن ميمون ، عن عوف الأعرابي ، عن الحسن بن أبي الحسن قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينضلون يعني يرمون ، ومع النبي صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه ، فرمى رجل من القوم ، فقال أصاب والله ، أخطأت والله ، فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم : حنث الرجل يا رسول الله ، فقال : " كَلاَّ أَيْمَانُ الرَُمَاةِ [ لَغُّوٌ ] وَلاَ كَفَّارَةَ وَلاَ عُقٌوبَةَ " .

والثاني : أن لغو اليمين ، أن يحلف على الشيء يظن أنه كما حلف عليه ، ثم يتبين أنه بخلافه ، وهو قول أبي هريرة .

والثالث : أن لغو اليمين أن يحلف بها صاحبها في حال الغضب على غير عقد قلب ولا عزم ، ولكن صلة للكلام ، وهو قول طاوس .

وقد روى يحيى بن أبي كثير عن طاوس عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَمِينَ فِي غَضَبٍ " .

والرابع : أن لغو اليمين أن يحلف بها في المعصية{[327]} ، [ فلا ] يكفر عنها ، وهو قول سعيد بن جبير ، ومسروق ، والشعبي ، وقد روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ نَذَرَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ فَلاَ نَذْرَ لَهُ ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَلاَ يَمِينَ لَهُ ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَلاَ يَمِينَ لَهُ " .

والخامس : أن اللغو في اليمين ، إذا دعا الحالف على نفسه ، كأن يقول : إن لم أفعل كذا فأعمى الله بصري ، أو قلل من مالي ، أو أنا كافر بالله ، وهو قول زيد بن أسلم .

والسادس : أن لغو اليمين هو ما حنث فيه الحالف ناسياً ، وهذا قول النخعي .

ثم قوله تعالى : { وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : أن يحلف كاذباً أو على باطل ، وهذا قول إبراهيم النخعي .

والثاني : أن يحلف عمداً{[328]} ، وهذا قول مجاهد .

والثالث : أنه اعتقاد الشرك بالله والكفر ، وهذا قول ابن زيد .

{ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } غفور لعباده ، فيما لغوا من أيمانهم ، حليم في تركه مقابلة أهل حسنته بالعقوبة على معاصيهم .


[327]:- كأن يحلف ليشربن الخمر فعليه إلا يشربها وهذه اليمين لغو فلا كفارة فيها إذ لا يجتمع اللغو والتكفير وقد أضفنا "فلا" من تفسير القرطبي والسياق يؤكد إضافتها وكذا الحديث الذي جاء بعدها.
[328]:- أي وبحنث فهذا مؤاخذ، أما من حلف عامدا ولم يحنث فلا يؤاخذ.