الآية 225 [ وقوله تعالى : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) قال ]{[2568]} الشيخ ، رحمه الله : في قوله : ( لا يؤاخذكم الله في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) : [ إن ]{[2569]} كسب القلوب لا يكون [ عقدا ولا حنثا ]{[2570]} إنما هو تعمد الكذب كقوله : ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ) [ الأحزاب : 5 ] .
فعلى ذلك أمر يمين اللغو والتعمد ؛ وهذا بين أن اليمين يكون في موجود ؛ لا فيما يوجد ؛ إذ فيه وصف المأثم ، وفيما يكون لم يكسب قلبه ما يأثم فيه . فعلى ذلك أمر اللغو ، فهو في الماضي ، ولا يأثم بالخطإ ، ويأثم في غير اللغو بالتعمد . ثم قال الله تعالى : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) [ المائدة : 89 ] ، وبين أن المؤاخذة تكون في هذا بالكفارة ، وفي الأول بالمأثم ، وفي اللغو لا يؤاخذ بهما ، فلزم تسليم البيان لما جاء في كل ذلك . ثم جميع المواخذ في كسب القلب بالمأثم ولزوم التوبة ، فكذا في هذا .
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر اللعان أنه قال : " إن أحدكما كاذب ، فهل منكما من تائب ؟ " [ البخاري : 4747 ] ومعلوم كذب أحدهما ولزوم التوبة مع ما في تركه الوعيد الشديد من الغضب واللعن ولو كانت فيه كفارة لكان لا سبيل إلى العلم بها إلا بالبيان ، فهي أحق أن تبين لو كانت واجبة [ دل ما لم يبين أنها غير واجبة ]{[2571]} على أنها تجب للحنث ، والحنث عقيب العقد يدفعه ، وكان ههنا ملاقيا له ، فهو يمنعه على نحو جميعا الحرمات التي تفسخ الأشياء ؛ فهي عند الابتداء تمنع ، وليس ذلك كالطلاق ونحوه لما قد يكون بلا شرط . واليمين لا يصح إلا به ، ولم يكن ، فانفرد قوله : والله .
وقد يخرج مخرج الاستخفاف الحلف بالله كاذبا والجرأة على الله ، فيجيء أن يكون كفرا ، لولا أن المؤمن يخطر بباله ما يحمله على ذلك دون قصد الاستخفاف به . وعلى ذلك أمر اللعان ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل : أحدكما كافر ، فهل منكما من مؤمن ؟ لأنهما لم يقصدا ذا لقصد . فكذا كل حالف على تعمد الكذب ، والله الموفق .
وقوله : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) قال سعيد بن جبير : { هذا محمول على قوله : ( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ) [ البقرة : 224 ] أي لا يؤاخذكم بنقض أيمانكم التي حلفتم بها لأنها معصية الله ( ولكن يؤاخذكم ) بحفظها والمضي عليها .
ثم اختلفوا في اللغو ، ما هو ؟ قال بعضهم : هو الإثم ، وقيل : هو الغلط . ثم اللغو المذكور الذي أخبر أن لا مؤاخذة على صاحبه يحتمل ألا{[2572]} يؤاخذه بالإثم ، ويحتمل ألا يؤاخذه بالكفارة ، بل إنما يؤاخذه{[2573]} بالكفارة بما يعقد . ثم ذكر في الآية الثانية ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) [ المائدة : 89 ] ، ولو حمل على أنه لا يؤاخذ أيضا بالإثم وقع الكلام بحيث لا يفيد في حد التكرار .
والأصل عندهم بأن حمله على ما يفيد أحق من حمله على ما لا يفيد ، فثبت أن الأول في نفي الإثم ، والثاني في نفي الكفارة . وعلى هذا القول في الغموس : إنه لعظيم الوزر والإثم لم يلزم أن يكفر ، فليس فيه الكفارة . وله وجه آخر ، وهو أن سبب الحنث في اللغو والغموس تلاقي العقد ، فلم يصح به اليمين ؛ لأن الحنث يسقط اليمين ؛ فإذا لاقى الحنث اليمين منع صحتها ووجوبها . فإذا كانت هذه اليمين غير صحيحة في العقد ، لم تلزم الكفارة لخروجها عن الشرط ، ثم لم يزل عنه في الغموس الإثم لتعمده الكذب .
وقال{[2574]} الفقيه [ أبو منصور ]{[2575]} رحمه الله : ( والقياس عندي في التعمد بالحلف بالغموس على الكذب أن يكفر ، ولهذا ما لحقه{[2576]} الوزر لما أن الإيمان جعلت لتعظيم الله تعالى بالحلف فيها ، والحالف بالغموس مجترئ على الله مستخف به . ولهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحلف بالآباء والطواغيت لأن في ذلك تعظيما{[2577]} لهم وتبجيلا{[2578]} ؛ فالحالف بالغموس في الذي هو مجترئ ومستخف : فالوزر له بالجرأة لازم ) .
ثم المتعمد مجترئ / 37/بستخف بالله تعالى على المعرفة لأنه لا يسع ؛ فسبيله سبيل أهل النفاق ، إظهارهم الإيمان بما فيه استخفاف ، وإن كان سببا للتعظيم ، للاستخفاف لزمهم العقوبة بذلك ، كذا الأول ، ولكنه بالحلف خرج فعله على الجراءة للوصول إلى مناه وشهوته لا للقصد إليه .
وعلى ذلك يخرج قول أبي حنيفة رضي الله عنه في سؤال السائل : ( إن العاصي مطيع للشيطان ، ومن أطاع الشيطان كفر ، كيف لا كفر العاصي ؟ فقال : لأنه خرج فعله في الظاهر مخرج الطاعة له ، لا أن القصد بكون طاعته ، وإنما يكفر بالقصد لا بما يخرج فعله فعل معصيته ، فكذا الأول ، والله أعلم ) .
وعلى ذلك جاء في أمر اللعان من القول : " إن{[2579]} أحدكما كاذب ، فهل منكما [ من ]{[2580]} تائب " ؟ [ البخاري : 4747 ] ففيه وجهان :
[ أحدهما ]{[2581]} : أنه لم يأمر بالإيمان ، ولا قال : أحدكما كافر ، فثبت أنه [ لا ]{[2582]} يكفر به .
والثاني : أنه أمر بالتوبة ، وقد يعلم من كذب أن عليه ذلك مع ما في القرآن من اللعن والغضب ، ولم يأمره بالكفارة ، وهي لا تعلم إلا بالبيان ، فهي{[2583]} أحق أن تبين لو كانت واجبة ، والله أعلم .
والأصل عندنا في اليمين الغموس أنه آثم ، وعليه التوبة ، والتوبة كفارة ، وهكذا في كل يمين في عقدها معصية أن تلزمه الكفارة ، وهي التوبة ، وأما الكفارة التي تلزم في المال ، فهي{[2584]} لا تلزم إلا{[2585]} بالحنث ، لأنه بالحنث يأثم ، والحنث نفسه إثم ، لذلك{[2586]} لم يجز إلا بالحنث .
وما روي من الأخبار من قوله [ عليه السلام ]{[2587]} : " من حلف على يمين ، فرأى غيرها خيرا منها ، فليكفر [ عن ]{[2588]} يمينه ، ثم ليأت الذي هو خير : [ مسلم : 1650 ] أنه إذا كانت يمينه بمعصية يصير باليمين آثما ، فيكلف بالتوبة .
فإن قيل : الحلف بالطلاق والعتاق والحج بالماضي يلزم ، كيف لا لزمته الكفارة ؟ قيل : لأن الطلاق والعتاق والحج يلزم دون ذكر ما ذكر ، إذ قال : ( علي حجة ) ، أو : ( أنت طالق ) ، أو : ( هو حر ) ، ولو قال : ( والله ) ألف مرة دون ذكر ذلك الفعل لا يكون يمينا ، ولا يلزمه شيء ؛ لذلك افترقا ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.