قوله : ( لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ) [ 223 ] .
قال ابن عباس : " هو ما سبق( {[7257]} ) به اللسان على عجلة كقولك : " لا والله ، بلى والله " ( {[7258]} ) . وكذلك قالت عائشة رضي الله عنها( {[7259]} ) .
وقال مجاهد : " هما الرجلان يتبايعان فيقول أحدهما : والله لا أبيعك بكذا . ويقول الآخر : والله( {[7260]} ) لا أشتريه بكذا وكذا ، فهو اللغو " ( {[7261]} ) .
وقال أبو هريرة : " لغو اليمين أن يحلف الرجل على الشيء( {[7262]} ) يظن( {[7263]} ) أنه هو بيقين منه ، ثم يظهر له خلاف ظنه " ( {[7264]} ) . وهذا القول أحسن الأقوال في لغو اليمين المعفو/عنها . وروي مثله عن ابن عباس( {[7265]} ) .
وروي عنه أيضاً أنه قال : " هو الرجل يحلف على الشيء( {[7266]} ) فيرى الذي هو خير منه فأمره الله أن يكفر عن يمينه ويفعله/ ، وأعلمه أنه لا يؤاخذه على ذلك " ( {[7267]} ) . فهذه ثلاثة أقوال عن ابن عباس .
وقال عطاء بن يسار( {[7268]} ) : " هو الخطأ في اليمين " .
وقال الحسن وغيره : " هو الرجل يحلف على الشيء ، وهو يظن أنه صادق ، ثم يظهر له خلاف ذلك ، فلا كفارة عليه ولا إثم " ( {[7269]} ) ، وهو قول أبي هريرة المختار .
وقال طاوس : " هو الرجل يحلف( {[7270]} ) في الغضب ، فلا كفارة عليه ولا إثم " ( {[7271]} ) ، وذكر قول النبي [ عليه السلام ]( {[7272]} ) : " لاَ يَمِينَ فِي غَضَبٍ " ( {[7273]} ) .
وقال/ابن جبير : " هو الرجل يحلف أن يفعل ما نهى الله عنه أو يترك ما أمر الله به ، فيمينه لغو ، ولا كفارة عليه " ( {[7274]} ) .
وقد قال ابن المسيب وابن الزبير : " لا كفارة( {[7275]} ) في معصية " ( {[7276]} ) . وكذلك قال ابن عباس .
وقال الشعبي : " كفارة من حلف على المعصية أن يتوب منها " .
وقال : [ زيد بن ]( {[7277]} ) أسلم : " هو الرجل يقول : أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا وكذا ، وأخرجني الله من مالي( {[7278]} ) إن لم أصنع كذا ، وشبهه مما يدعو به على نفسه . فهو لغو ولا كفارة/فيه( {[7279]} ) " ( {[7280]} ) .
وقال ابن زيد : " هو قول الرجل : أنا كافر إن فعلت كذا ، وجعلت مع الله إلاهاً إن صنعت كذا ، وشبهه ، فلا كفارة فيه( {[7281]} ) " ( {[7282]} ) .
وقال الضحاك " اللغو من الأيمان ، هي اليمين المكفرة يحلف ألا يفعل فيكفر ويفعل( {[7283]} ) ، ولا يؤاخذه الله بذلك ، ولكن يؤاخذه بما يحلف عليه وقلبه يتيقن أن يمينه كذبة( {[7284]} ) . فتلك اليمين لا كفارة فيها ، وهي اليمين الغموس ، وهي أعظم من أن تكفر " ( {[7285]} ) .
وقيل : لغو اليمين الحنث ، لا يؤاخذ الله من حنث في يمينه وكفر ، لأن التكفير يسقط الإثم " ( {[7286]} ) .
وقال إبراهيم : " هو الرجل يحلف ألا يفعل الشيء ، ثم ينسى فيفعله ، فيمينه لغو " ( {[7287]} ) .
واللغو في كلام العرب ما لا يحتاج إليه( {[7288]} ) .
قال( {[7289]} ) نفطويه : " اللغو في نفس اللغة الشيء المطرح( {[7290]} ) يقال : ألغيت هذا ، أي طرحته " ( {[7291]} ) . واللغو في الأيمان ما لم تكن النية معتقدة له ، إنما جرى في عرض( {[7292]} ) الكلام . وهو معنى قول ابن عباس وعائشة( {[7293]} ) .
والسهو( {[7294]} ) داخل في هذه الآية بغير نية ، ويدخل فيه أيضاً ما ليس بيمين نحو قول الرجل : " لا وحياتك " وشبهه ، وهذا يرجع إلى قول أبي هريرة وقول الحسن المتقدمي( {[7295]} ) الذكر .
وكان ابن عباس لا يرى الكفارة( {[7296]} ) إلا في الأيمان التي تكون( {[7297]} ) لغواً . فأما ما كسبت( {[7298]} ) القلوب ، وعقدت اليمين فيه وهي تعلم أنها كاذبة( {[7299]} ) ، فلا كفارة فيه ، والله يؤاخذ على ذلك بما شاء إن شاء( {[7300]} ) .
وتقدير الآية التي في المائدة( {[7301]} ) على هذا القول : " لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم فكفارته إطعام عشرةساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ، ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " . أي حلفتم وأنتم تعلمون أنكم كاذبون( {[7302]} ) .
[ كذلك التقدير ]( {[7303]} ) عند ابن عباس وابن جبير والضحاك وغيرهم( {[7304]} ) .
وقال قتادة : " المؤاخذة هنا في الأيمان الفاجرة إنما هي إلزام الرجل الكفارة على يمينه ؛ فمن حلف وهو يعلم أنه كاذب( {[7305]} ) وجبت( {[7306]} ) عليه الكفارة ، وهي المؤاخذة التي ذكر الله . ومن حلف وهو يظن أنه/صادق ، فهو لغو يمين ولا كفارة فيه ، ولا إثم " ( {[7307]} ) .
وروي عن الربيع مثله( {[7308]} ) . وهو قول عطاء والحكم( {[7309]} ) .
وقال السدي مثل ذلك إلا أنه قال : " يؤاخذه في الدنيا بالكفارة على يمينه الفاجرة ويؤاخذه في الآخرة إن شاء الله عليها إذ( {[7310]} ) حلف وهو يعلم أنه كاذب " .
والأيمان/عند أكثر الفقهاء ثلاثة :
- اللغو ؛ وهو( {[7311]} ) قوله : " لا( {[7312]} ) والله وبلى والله فلا شيء فيها " .
- والثانية( {[7313]} ) : العمد( {[7314]} ) " ؛ وهو أن يحلف متعمداً ألا يفعل الشيء ، ثم يريد( {[7315]} ) أن يفعله ويرى( {[7316]} ) أن ذلك خير فيكفر ويفعل( {[7317]} ) ولا شيء عليه . وهي التي في قوله : ( بِمَا عَقَّدتُّمُ الاَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ )( {[7318]} )( {[7319]} ) .
- والثالثة : الغموس ؛ وهو أن يحلف على الشيء وهو يعلم أنه كاذب فلا كفارة فيها لعظمها ، والله يفعل بفاعلها ما شاء . وهي التي في قوله : ( وَلَكِنْ يُّؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ )( {[7320]} ) .
وقال زيد بن( {[7321]} ) أسلم : ( وَلَكِنْ يُّؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ )( {[7322]} ) . قال : " هو الشرك بالله والكفر لا اليمين " . يريد قول الرجل : أنا كافر بالله( {[7323]} ) إن فعلت وأنا مشرك إن فعلت ، يؤاخذ عليه إن اعتقده بقلبه . فإن لم يعتقده بقلبه ، فهو اللغو الذي قال فيه : ( لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ )( {[7324]} ) .
ومن قال : " أقسمت ألا أفعل " ، فإن أراد بالله وفعل( {[7325]} ) كفر ، وإن لم يرد ذلك فلا شيء عليه( {[7326]} ) ، وكل/أسماء الله يجب فيها الكفارة ، وكذلك صفاته( {[7327]} ) .
وإذا حلف بالقرآن وحنث ، فقال ابن مسعود : " عليه لكل آية كفارة " ، وبه قال الحسن البصري .
وأكثر الفقهاء على أن : فيه كفارة يمين ، ومنهم من قال : " لا كفارة( {[7328]} ) فيه لعظمه ، وجلالة قدره( {[7329]} ) " .
والعهد والميثاق والكفالة إذا أضيف ذلك إلى الله جلّ وحلف به ، ففيه كفارة يمين عند مالك وغيره( {[7330]} ) .
ومن قال : " حلفت " ولم يحلف ، فإن أراد اليمين كفر . وإن أراد الكذب( {[7331]} ) لم يكن عليه شيء .
هذا( {[7332]} ) قول مالك وغيره( {[7333]} ) .
ومن حلف بصدقة ماله أو بهديه( {[7334]} ) أن يجعله في سبيل الله ؛ فقال عطاء والشعبي وغيرهم : " لا شيء عليه " .
وروي عن عمر رضي الله عنه ، وعائشة أن عليه كفارة يمين وهو قول جماعة من التابعين .
وقال مالك( {[7335]} ) : " يخرج ثلث ماله " ( {[7336]} ) وهو قول الزهري وغيره . وروي عن ابن عمر وابن عباس أنه : يتصدق من ماله بمقدار الزكاة . وقد قيل : يعني بما جعل على نفسه . روي ذلك عن ابن عمر . وقال قتادة : " يهدي بدنة " .
وقال/جابر بن زيد : " إن كان ماله كثيراً( {[7337]} ) نحو ألفين( {[7338]} ) فعشره ، وإن كان وسطاً نحو ألف ، فسبعه ، وإن كان قليلاً نحو خمسمائة فخمسه .
ومن حلف بالمشي إلى بيت الله فحنث فلا شيء عليه( {[7339]} ) عند ابن( {[7340]} ) المسيب والقاسم بن محمد( {[7341]} ) .
وقال الحسن وجابر بن زيد( {[7342]} ) وطاوس والنخعي وعطاء وقتادة/وغيرهم/ " عليه كفارة يمين( {[7343]} ) " ، وهو قول الشافعي .
وقال الشعبي ومالك وأبو حنيفة : " يمشي كما حلف " ( {[7344]} ) .
وقال ابن شبرمة : " يحرم من يومه " .
وقال مالك رضي الله عنه( {[7345]} ) : " إن حنث في غير البلد الذي حلف فيه فعليه أن يأتي إلى ذلك البلد ، فيمشي( {[7346]} ) منه " .
ومن حلف بعتق رقبة فحنث ، فأكثر الناس [ على أن عليه ]( {[7347]} ) كفارة يمين ، وهو قول ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وعائشة وأم سلمة ، وحفصة وقاله الحسن .
وقال عطاء : " يتصدق بشيء من حنث في العتق " .
وقال مالك والثوري والأوزاعي( {[7348]} ) والشافعي وجماعة من الفقهاء : " يعتق من حلف به إذا حنث " .
وقوله : ( وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ( {[7349]} ) )[ 223 ] .
أي غفور لأهل اللغو في الأيمان ، حليم [ في تركه ]( {[7350]} ) . العقوبة على أهل اعتقاد( {[7351]} ) الأيمان/الكاذبة فلا يعاجلهم( {[7352]} ) بها( {[7353]} ) .