المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ} (57)

57- ولما ضرب الله عيسى ابن مريم مثلاً ، في كونه كآدم ، خلقه من تراب ، ثم قال له : كن فيكون ، فهو عبد مخلوق ، مُنعم عليه بالنبوة ، لا تصح عبادته من دون الله . إذا قومك يعرضون ولا يعون .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ} (57)

قوله تعالى : { ولما ضرب ابن مريم مثلاً } قال ابن عباس وأكثر المفسرين : إن الآية نزلت في مجادلة عبد الله بن الزبعري مع النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عيسى عليه السلام ، لما نزل قوله تعالى : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } ( الأنبياء-98 ) ، وقد ذكرناه في سورة الأنبياء عليهم السلام . { إذا قومك منه يصدون } قرأ أهل المدينة والشام والكسائي : يصدون بضم الصاد ، يعني يعرضون ، نظيره قوله تعالى : { يصدون عنك صدوداً } ( النساء-61 ) وقرأ الآخرون بكسر الصاد . واختلفوا في معناه ، قال الكسائي : هما لغتان مثل يعرشون ويعرشون ، وشد عليه يشد ويشدو ، ونم بالحديث ينم وينم . وقال ابن عباس : معناه يضجون . وقال سعيد بن المسيب : يصيحون . وقال الضحاك : يعجون . وقال قتادة : يجزعون . وقال القرظي : يضجرون . ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون يقولون ما يريد منا محمد إلا أن نعبده ونتخذه إلهاً كما عبدت النصارى عيسى .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ} (57)

{ 57-65 } { وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ * وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ }

يقول تعالى : { وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا } أي : نهي عن عبادته ، وجعلت عبادته بمنزلة عبادة الأصنام والأنداد . { إِذَا قَوْمُكَ } المكذبون لك { مِنْهُ } أي : من أجل هذا المثل المضروب ، { يَصِدُّونَ } أي : يستلجون في خصومتهم لك ، ويصيحون ، ويزعمون أنهم قد غلبوا في حجتهم ، وأفلجوا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ} (57)

ثم انتقلت السورة الكريمة من الحديث عن جانب من قصة موسى ، إلى الحديث عن جانب من قصة عيسى - عليه السلام - فقال - تعالى - : { وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ . . . وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } .

ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - : { وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً . . } روايات منها : أنه لما نزل قوله - تعالى - : { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ . . . } تعلق المشركون بأمر عيسى وقالوا : ما يريد محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا أن نتخذه إلها ، كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم فأنزل الله - تعالى - { وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً . . } .

وقال الواحدى : أكثر المفسرين على أن هذه الآية ، " نزلت فى مجادلة ابن الزبعرى - قبل أن يسلم - مع النبى - صلى الله عليه وسلم - فإنه لما نزل قوله - تعالى - : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ } . قال ابن الزبعرى خصمتك - يا محمد - ورب الكعبة . أليست النصارى يعبدون المسيح ، واليهود يعبدون عزيرا ، وبنو مليح يعبدون الملائكة ؟ فإن كان هؤلاء من النار ، فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا فى النار ؟

فقال له النبى - صلى الله عليه وسلم - : " ما أجهلك بلغة قومك ؟ أما فهمت أن ( ما ) لما لا يعقل " ؟ . وفى رواية أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له : " إنهم يعبدون الشيطان " وأنزل الله - تعالى - : { وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } .

وكلمة { يَصِدُّونَ } قرأها الجمهور بكسر الصاد . وقرأها ابن عامر والكسائى بضم الصاد . وهما بمعنى واحد . ومعناهما : يضجون ويصيحون فرحا . يقال : صد يصد - بكسر الصاد وضمها - بمعنى ضج - كعكف - بضم الكاف وكسرها .

ويرى بعضهم أن { يَصِدُّونَ } - بكسر الصاد - بمعنى : يضجون ويصيحون ويضحكون . . وأن { يَصِدُّونَ } - بضم الصاد - بمعنى الصاد - بمعنى يعرضون . من الصد بمعنى الإِعراض عن الحق .

والمعنى : وحين ضرب ابن الزبعرى ، عيسى ابن مريم مثلا ، وحاجك بعبادة النصارى له ، فاجأك قومك - كفار قريش - بسبب هذه المحاجة ، بالصياح والضجيج والضحك ، فرحا منهم بما قاله ابن الزبعرى ، وظنا منهم أنه قد انتصر عليك فى الخصومة والمجادلة .

فمن فى قوله { مِنْهُ } الظاهر أنها للسببية ، كما فى قوله - تعالى - : { مِّمَّا خطيائاتهم أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً . . . } والمراد بالمثل هنا : الحجة والبرهان .

قال الآلوسى : والحجة لما كانت تسير مصير الأمثال شهرة ، قيل لها مثل . أو المثل بمعنى المثال . أى : جعله مقياسا وشاهدا على إبطال قوله - صلى الله عليه وسلم - : إن آلهتهم من حصب جهنم ، وجعل عيسى - عليه السلام - نفسه مثلا من باب : الحج عرفة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ} (57)

57

( ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون . وقالوا : أآلهتنا خير أم هو ? ما ضربوه لك إلا جدلاً . بل هم قوم خصمون . إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل . ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون . وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون ، هذا صراط مستقيم . ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين ) . .

( ولما جاء عيسى بالبينات قال : قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ، فاتقوا الله وأطيعون . ان الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم . فاختلف الأحزاب من بينهم ، فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم . . )

ذكر ابن إسحاق في السيرة قال : جلس رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فيما بلغني مع الوليد بن المغيرة في المسجد ، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم ، وفي المجلس غير واحد من رجال قريش ، فتكلم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فعرض له النضر بن الحارث ، فكلمه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حتى أفحمه . ثم تلا عليه وعليهم( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ) . . الآيات . . ثم قام رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأقبل عبدالله بن الزبعري التميمي حتى جلس . فقال الوليد بن المغيرة له : والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب وما قعد ! وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم . فقال عبد الله بن الزبعري : أما والله لو وجدته لخصمته . سلوا محمداً أكل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده ? فنحن نعبد الملائكة ، واليهود تعبد عزيراً ، والنصارى تعبد المسيح ابن مريم . فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبدالله بن الزبعري ورأوا أنه قد احتج وخاصم . فذكر ذلك لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : " كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده . فإنهم إنما يعبدون الشيطان ومن أمرهم بعبادته " فأنزل الله عز وجل : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ) . . أي عيسى وعزير ومن عبد معهما من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله عز وجل ، فاتخذهم من بعدهم من أهل الضلالة أرباباً من دون الله ، ونزل فيما يذكر من أمر عيسى عليه الصلاة والسلام ، وأنه يعبد من دون الله ، وعجب الوليد ومن حضر من حجته وخصومته : ( ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون ) . . أي يصدون عن أمرك بذلك . . .

وذكر صاحب الكشاف في تفسيره : " لما قرأ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] على قريش : ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم )امتعضوا من ذلك امتعاضاً شديداً . فقال عبدالله بن الزبعري : يا محمد . أخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم ? فقال عليه السلام : " هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم " فقال : خصمتك ورب الكعبة ! ألست تزعم أن عيسى ابن مريم نبي ، وتثني عليه خيراً وعلى أمه ? وقد علمت أن النصارى يعبدونهما ? وعزير يعبد ? والملائكة يعبدون ? فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم ! ففرحوا وضحكوا . وسكت النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فأنزل الله تعالى : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى )ونزلت هذه الآية . والمعنى : ولما ضرب عبد الله بن الزبعري عيسى ابن مريم مثلاً ، وجادل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بعبادة النصارى إياه " إذا قومك " - قريش - من هذا المثل " يصدون " ترتفع لهم جلبة وضجيج ، فرحاً وجذلاً وضحكاً بما سمعوا من إسكات رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بجدله ، كما يرتفع لغط القوم ولجبهم إذا تعبوا بحجة ثم فتحت عليهم . وأما من قرأ " يصدون " بالضم فمن الصدود . أي من أجل هذا المثل يصدون عن الحق ويعرضون عنه . وقيل : من الصديد وهو الجبة . وأنهما لغتان نحو يعكُف ويعكِف ونظائر لهما .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ} (57)

وقوله : وَلما ضُربَ ابْنُ مَرْيَم مَثَلاً يقول تعالى ذكره : ولما شبه الله عيسى في إحداثه وإنشائه إياه من غير فحل بآدم ، فمثّله به بأنه خلقه من تراب من غير فحل ، إذا قومك يا محمد من ذلك يضجون ويقولون : ما يريد محمد منا إلاّ أن نتخذه إلها نعبده ، كما عبدت النصارى المسيح . واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم بنحو الذي قلنا فيه . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله عزّ وجلّ : إذَا قَوْمُكَ منْهُ يَصِدّونَ قال : يضجون قال : قالت قريش : إنما يريد محمد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : لما ذُكر عيسى بن مريم جزعت قريش من ذلك ، وقالوا : يا محمد ما ذكرت عيسى بن مريم ، وقالوا : ما يريد محمد إلاّ أن نصنع به كما صنعت النصارى بعيسى بن مريم ، فقال الله عزّ وجلّ : ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : لما ذُكر عيسى في القرآن قال مشركو قريش : يا محمد ما أردت إلى ذكر عيسى ؟ قال : وقالوا : إنما يريد أن نحبه كما أحبّت النصارى عيسى .

وقال آخرون : بل عنى بذلك قول الله عزّ وجلّ إنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّمَ أنْتُمْ لَهَا وَارِدُون قِيلُ المشركين عند نزولها : قد رضينا بأن تكون آلهتنا مع عيسى وعُزَير والملائكة ، لأن كل هؤلاء مما يُعبد من دون الله ، قال الله عزّ وجلّ : ولَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ وقالوا : أآلهتنا خير أم هو ؟ ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال ، ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ولَمّا ضُربَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ قال : يعني قريشا لما قيل لهم إنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّمَ أنْتُمْ لَهَا وَارِدُون فقالت له قريش : فما ابن مريم ؟ قال : ذاك عبد الله ورسوله ، فقالوا : والله ما يريد هذا إلاّ أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم ربا ، فقال الله عزّ وجلّ : ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدَلاً ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : يَصِدّونَ ، فقرأته عامة قرّاء المدينة ، وجماعة من قرّاء الكوفة : «يَصُدّونَ » بضم الصاد . وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة والبصرة يَصِدّونَ بكسر الصاد .

واختلف أهل العلم بكلام العرب في فرق ما بين ذلك إذا قُرىء بضم الصاد ، وإذا قُرىء بكسرها ، فقال بعض نحويّي البصرة ، ووافقه عليه بعض الكوفيين : هما لغتان بمعنى واحد ، مثل يشُدّ ويشِدّ ، ويَنُمّ ويَنِمّ من النميمة . وقال آخر : منهم من كسر الصاد فمجازها يضجون ، ومن ضمها فمجازها يعدلون . وقال بعض من كسرها : فإنه أراد يضجون ، ومن ضمها فإنه أراد الصدود عن الحقّ .

حُدثت عن الفرّاء قال : ثني أبو بكر بن عياش ، أن عاصما ترك يصدّون من قراءة أبي عبد الرحمن ، وقرأ يصدّون ، قال : قال أبو بكر . حدثني عاصم ، عن أبي رزين ، عن أبي يحيى ، أن ابن عباس لقي ابن أخي عبيد بن عمير ، فقال : إن عمك لعربيّ ، فما له يُلحِن في قوله : «إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصُدّونَ » ، وإنما هي يَصِدّونَ .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان ، ولغتان مشهورتان بمعنى واحد ، ولم نجد أهل التأويل فرّقوا بين معنى ذلك إذا قرىء بالضمّ والكسر ، ولو كان مختلفا معناه ، لقد كان الاختلاف في تأويله بين أهله موجودا وجود اختلاف القراءة فيه باختلاف اللغتين ، ولكن لما لم يكن مختلف المعنى لم يختلفوا في أن تأويله : يضجون ويجزعون ، فبأيّ القراءتين قرأ القارىء فمصيب . ذكر ما قلنا في تأويل ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ قال : يضجون .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ يقول : يضجون .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا أبو حمزة ، عن المُغيرة الضبيّ ، عن الصعب بن عثمان قال : كان ابن عباس يقرأ إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ ، وكان يفسرها يقول : يضجون .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ قال : يضجون .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة عن عاصم عن أبي رزين ، عن ابن عباس بمثله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، في قول الله عزّ وجلّ : إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ قال : يضجون .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ : أي يجزعون ويضجون .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن عاصم بن أبي النّجود ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس أنه قرأها يَصِدّون : أي يضجون ، وقرأ عليّ رضي الله عنه يَصِدّونَ .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ قال : يضجون .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ قال : يضجون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ} (57)

{ ولما ضرب ابن مريم مثلا } أي ضربه ابن الزبعرى لما جادل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } أو غيره بأن قال النصارى أهل كتاب وهم يعبدون عيسى عليه السلام ويزعمون أنه ابن الله والملائكة أولى بذلك ، أو على قوله تعالى : { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا } أو أن محمدا يريد أن نعبده كما عبد المسيح . { إذا قومك } في قريش { منه } من هذا المثل . { يصدون } يضجون فرحا لظنهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم صار ملزما به . وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالضم من الصدود أي يصدون عن الحق ويعرضون عنه . وقيل هما لغتان نحو يعكف ويعكف .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ} (57)

روي عن ابن عباس وغيره في تفسير هذه الآية ، أنه لما نزلت : { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ، خلقه من تراب ثم قال له كن ، فيكون } [ آل عمران : 59 ] ونزل مع ذلك ذكر عيسى وحاله وكيف خلق من غير فحل ، قالت فرقة : ما يريد محمد من ذكر عيسى إلا أن نعبده نحن كما عبدت النصارى عيسى ، فهذا كان صدورهم من ضربه مثلاً .

وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وأبو جعفر والأعرج والنخعي وأبو رجاء وابن وثاب : «يصُدون » بضم الصاد ، بمعنى : يعرضون . وقرأ الباقون وابن عباس وابن جبير والحسن وعكرمة : «يصِدون » بكسر الصاد ، بمعنى يضحكون ، وأنكر ابن عباس ضم الصاد ، ورويت عن علي بن أبي طالب ، وقال الكسائي : هما لغتان بمعنى واحد ، مثل «يعرُشون ويعرِشون » .