المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيۡنَ أَيۡدِينَا وَمَا خَلۡفَنَا وَمَا بَيۡنَ ذَٰلِكَۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا} (64)

64- وكان الوحي قد تأخر وقلق الرسول - عليه الصلاة والسلام - فجاءه جبريل - عليه السلام - ليطمئنه وقال له : إن الملائكة لا تنزل إلا بإذن ربها ، فاطمئن أيها الرسول الكريم فإن ربك لا ينسى .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيۡنَ أَيۡدِينَا وَمَا خَلۡفَنَا وَمَا بَيۡنَ ذَٰلِكَۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا} (64)

قوله تعالى : { وما نتنزل إلا بأمر ربك } .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا خلاد بن يحيى ، أنا عمر بن ذر قال : سمعت أبي يحدث عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا فنزلت : { وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا }الآية : قال : كان هذا الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم " . وقال عكرمة ، و الضحاك ، و قتادة ، و مقاتل ، و الكلبي : " احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله قومه عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ، فقال :أخبركم غداً ، ولم يقل : إن شاء الله ، حتى شق على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم نزل بعد أيام ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك فقال له جبريل : إني كنت أشوق ، ولكني عبد مأمور ، إذا بعثت نزلت ، وإذا حبست احتبست ، فأنزل الله : { وما نتنزل إلا بأمر ربك } وأنزل : { والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى } " . { له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك } ، أي : له علم ما بين أيدينا . واختلفوا فيه : فقال سعيد بن جبير ، وقتادة ومقاتل : { ما بين أيدينا } : من أمر الآخرة والثواب والعقاب ، { وما خلفنا } : ما مضى من الدنيا . { وما بين ذلك } : ما يكون من هذا الوقت إلى قيام الساعة . وقيل { ما بين أيدينا } : ما بقي من الدنيا ، { وما خلفنا } : ما مضى منها ، { وما بين ذلك } أي : ما بين النفختين وبينهما أربعون سنة . وقيل : { ما بين أيدينا } ما بقي من الدنيا ، { وما خلفنا } : ما مضى منها ، { وما بين ذلك } : مدة حياتنا . وقيل : { ما بين أيدينا } : بعد أن نموت ، { وما خلفنا } : قبل أن نخلق ، { وما بين ذلك } : مدة الحياة . وقيل : { ما بين أيدينا } : الأرض إذا أردنا النزول إليها ، { وما خلفنا } : السماء إذا نزلنا منها ، { وما بين ذلك } : الهواء ، يريد : أن ذلك كله لله عز وجل ، فلا نقدر على شيء إلا بأمره . { وما كان ربك نسياً } ، أي : ناسياً ، يقول : ما نسيك ربك أي : ما تركك ، والناسي التارك .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيۡنَ أَيۡدِينَا وَمَا خَلۡفَنَا وَمَا بَيۡنَ ذَٰلِكَۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا} (64)

{ 64 - 65 } { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }

استبطأ النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام مرة في نزوله إليه فقال له : " لو تأتينا أكثر مما تأتينا " -تشوقا إليه ، وتوحشا لفراقه ، وليطمئن قلبه بنزوله- فأنزل الله تعالى على لسان جبريل : { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ } أي : ليس لنا من الأمر شيء ، إن أمرنا ، ابتدرنا أمره ، ولم نعص له أمرا ، كما قال عنهم : { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } فنحن عبيد مأمورون ، { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ } أي : له الأمور الماضية والمستقبلة والحاضرة ، في الزمان والمكان ، فإذا تبين أن الأمر كله لله ، وأننا عبيد مدبرون ، فيبقى الأمر دائرا بين : " هل تقتضيه الحكمة الإلهية فينفذه ؟ أم لا تقتضيه فيؤخره " ؟ ولهذا قال : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } أي : لم يكن لينساك ويهملك ، كما قال تعالى : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى } بل لم يزل معتنيا بأمورك ، مجريا لك على أحسن عوائده الجميلة ، وتدابيره الجميلة .

أي : فإذا تأخر نزولنا عن الوقت المعتاد ، فلا يحزنك ذلك ولا يهمك ، واعلم أن الله هو الذي أراد ذلك ، لما له من الحكمة فيه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيۡنَ أَيۡدِينَا وَمَا خَلۡفَنَا وَمَا بَيۡنَ ذَٰلِكَۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا} (64)

ثم ساق - سبحانه - ما يدل على كمال قدرته ، وشمول علمه ، فقال - تعالى - : { وَمَا نَتَنَزَّلُ . . . } .

التنزل : النزول على مهل . فإنه مطاوع نزل - بالتشديد - ، يقال : نزلته فتنزل ، إذا حدث النزول على مهل وتدرج . وقد يطلق التنزيل بمعنى النزول مطلقاً ، إلا أن المناسب هنا هو المعنى الأول .

والآية الكريمة حكاية لما قاله جبريل للنبى - صلى الله عليه وسلم - ، فقد ذكر كثير من المفسرين أن الوحى احتبس عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لفترة من الوقت بعد أن سأله المشركون أسئلة تتعلق بأصحاب الكهف . وبذى القرنين وبالروح ، حتى قال المشركون : إن رب محمد - صلى الله عليه وسلم - قد قلاه - أى : أبغضه وكرهه - فلما نزل جبريل على النبى - صلى الله عليه وسلم - بعد فترة من غياب - قيل خمسة عشر يوماً وقيل أكثر قال له : يا جبريل احتبست عنى حتى ساء ظنى واشتقت إليك فقال له جبريل : إنى كنت أشوق ولكنى عبد مأمور ، إذا بعثت جئت ، وإذا حبست احتبست ، وأنزل الله - تعالى - هذه الآية وسورة الضحى " .

وقال الآلوسى : " ولا يأبى ما تقدم فى سبب النزول ما أخرجه أحمد ، والبخارى والترمذى ، والنسائى ، وجماعة ، فى سببه عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبريل : ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا ؟ فنزلت : { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ . . } لجواز أن يكون - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك فى محاورته السابقة - أيضاً - ، واقتصر فى كل رواية على شىء مما وقع فى المحاورة . . . " .

والمعنى : قال جبريل للرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما سأله عن سبب احتباسه عنه لفترة من الوقت : يا محمد إنى ما أتنزل عليك وقتاً بعد وقت ، إلا بأمر ربك وإرادته ، فأنا عبده الذى لا يعصى له أمراً . . .

{ لَهُ } - سبحانه - { مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذلك } أى : له وحده جميع الجهات والأماكن ، وجميع الأزمان الحاضرة والماضية والمستقبلية ، وما بين ذلك ، فلا نقدر أن ننتقل من جهة إلى جهة ، أو من وقت إلى وقت إلا بأمر ربك ومشيئته .

فالجملة الكريمة مسوقة لبيان ملكية الله - تعالى - لكل شىء ، وقدرته على كل شىء وعلمه بكل شىء .

وقوله - تعالى - : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } مؤكد لما قبله من إثبات قدرة الله - تعالى - وعلمه .

أى : وما كان ربك - أيها الرسول الكريم - ناسيا أو تاركاً لك أو مهملاً لشأنك ، ولكنه - سبحانه - محيط بأحوالك وبأحوال جميع المخلوقات { لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }

قال ابن كثير : " قال ابن أبى حاتم : حدثنا يزيد بن محمد . . . عن أبى الدرداء يرفعه قال : " ما أحل الله فى كتابه فهو حلال ، وما حرمه هو حرام ، وما سكت عنه فهو عافية ، فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً " ثم تلا هذه الآية : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيۡنَ أَيۡدِينَا وَمَا خَلۡفَنَا وَمَا بَيۡنَ ذَٰلِكَۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا} (64)

ويختم هذا الدرس بإعلان الربوبية المطلقة لله ، والتوجيه إلى عبادته والصبر على تكاليفها . ونفي الشبيه والنظير :

( وما نتنزل إلا بأمر ربك ، له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك ، وما كان ربك نسيا . رب السماوات والأرض وما بينهما ، فاعبده واصطبر لعبادته . هل تعلم له سميا ? ) . .

وتتضافر الروايات على أن قوله ( وما نتنزل إلا بأمر ربك . . )مما أمر جبريل عليه السلام أن يقوله للرسول [ ص ] ردا على استبطائه للوحي فترة لم يأته فيها جبريل . فاستوحشت نفسه ، واشتاقت للاتصال الحبيب . فكلف جبريل أن يقول له : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك )فهو الذي يملك كل شيء من أمرنا :

له من بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وهو لا ينسى شيئا ، إنما ينزل الوحي عندما تقتضي حكمته أن ينزل ( وما كان ربك نسيا )فناسب بعد ذلك أن يذكر الاصطبار على عبادة الله مع إعلان الربوبية له دون سواه :

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيۡنَ أَيۡدِينَا وَمَا خَلۡفَنَا وَمَا بَيۡنَ ذَٰلِكَۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا} (64)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا نَتَنَزّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبّكَ نَسِيّاً } .

ذُكر أن هذه الاَية نزلت من أجل استبطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرائيل بالوحي ، وقد ذكرت بعض الرواية ، ونذكر إن شاء الله باقي ما حضَرنا ذكره مما لم نذكر قبل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : حدثنا عبد الله بن أبان العجلي ، وقبيصة ووكيع وحدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، جميعا عن عمر بن ذرّ ، قال : سمعت أبي يذكر عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن محمدا قال لجبرائيل : «ما يَمْنَعُكَ أنْ تَزُورَنا أكْثَرَ مِمّا تَزُورُنا » فنزلت هذه الاَية : ومَا نَتَنّزلُ إلاّ بأَمْرِ رَبّكَ لَهُ ما بينَ أيْدِينا ومَا خَلْفَنا ومَا بينَ ذلكَ ومَا كانَ رَبّكَ نَسِيّا قال : هذا الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم .

حدثني محمد بن معمر ، قال : حدثنا عبد الملك بن عمرو ، قال : حدثنا عمر بن ذرّ ، قال : ثني أبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لجبرائيل : «ما يَمْنَعُكَ أن تَزَوُرَنا أكْثَرَ مِمّا تَزُورُنا ؟ فنزلت ومَا نَتَنّزلُ إلاّ بأمْرِ رَبّكَ » حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وومَا نَتَنّزلُ إلاّ بأمْرِ رَبّكَ . . . إلى ومَا كانَ رَبّكَ نَسِيّا قال : احتبس جبرائيل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فوجِد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وحزن ، فأتاه جبرائيل فقال : يا محمد ومَا نَتَنّزلُ إلاّ بأمْرِ رَبّكَ لَهُ ما بينَ أيْدِينا ومَا خَلْفَنا ومَا بينَ ذلكَ ومَا كانَ رَبّكَ نَسِيّا .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : لبث جبرائيل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فكأن النبيّ استبطأه ، فلما أتاه قال له جبرائيل : ومَا نَتَنّزلُ إلاّ بأمْرِ رَبّكَ . . . الاَية .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ومَا نَتَنّزلُ إلاّ بأمْرِ رَبّكَ لَهُ ما بينَ أيْدِينا ومَا خَلْفَنا قال : هذا قول جبرائيل ، احتبس جبرائيل في بعض الوحي ، فقال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : «ما جِئْتَ حتى اشْتَقْتُ إلَيْكَ » فقال له جبرائيل : ومَا نَتَنّزلُ إلاّ بأمْرِ رَبّكَ لَهُ ما بينَ أيْدِينا ومَا خَلْفَنا » .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تبارك وتعالى ومَا نَتَنّزلُ إلاّ بأمْرِ رَبّكَ قال : قول الملائكة حين استراثهم محمد صلى الله عليه وسلم ، كالتي في الضحى .

حدثنا القاسم ، قال حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : لبث جبرائيل عن محمد اثنتي عشرة ليلة ، ويقولون : قُلي ، فلما جاءه قال : أيْ جَبْرائِيلُ لَقَدْ رِثْتَ عَليّ حتى لَقَدْ ظَنّ المُشْرِكُونَ كُلّ ظَنّ » فنزلت : ومَا نَتَنّزلُ إلاّ بأمْرِ رَبّكَ لَهُ ما بينَ أيْدِينا ومَا خَلْفَنا ومَا بينَ ذلكَ ومَا كانَ رَبّكَ نَسِيّا .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ومَا نَتَنّزلُ إلاّ بأمْرِ رَبّكَ احتبس عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم حتى تكلم المشركون في ذلك ، واشتدّ ذلك على نبيّ الله ، فأتاه جبرائيل ، فقال : اشتدّ عليك احتباسنا عنك ، وتكلم في ذلك المشركون ، وإنما أنا عبد الله ورسوله ، إذا أمرني بأمر أطعته ومَا نَتَنّزلُ إلاّ بأمْرِ رَبّكَ يقول : بقول ربك . ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : لَهُ ما بينَ أيْدِينا ومَا خَلْفَنا ومَا بينَ ذلكَ فقال بعضهم : يعني بقوله ما بينَ أيْدِينا من الدنيا ، وبقوله : ومَا خَلْفَنا الاَخرة ومَا بينَ ذلكَ النفختين . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع لَهُ ما بينَ أيْدِينا يعني الدنيا ومَا خَلْفَنا الاَخرة ومَا بينَ ذلكَ النفختين .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال ما بينَ أيْدِينا من الدنيا ومَا خَلْفَنا من أمر الاَخرة ومَا بينَ ذلكَ ما بين النفختين .

وقال آخرون : ما بينَ أيْدِينا الاَخرة ومَا خَلْفَنا الدنيا ومَا بينَ ذلكَ ما بين الدنيا والاَخرة . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس بينَ أيْدِينا الاَخرة ومَا خَلْفَنا من الدنيا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لَهُ ما بينَ أيْدِينا من أمر الاَخرة ومَا خَلْفَنا من أمر الدنيا ومَا بينَ ذلكَ ما بين الدنيا والاَخرة ومَا كانَ رَبّكَ نَسِيّا .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة لَهُ ما بينَ أيْدِينا من الاَخرة وَما خَلْفَنا من الدنيا وَما بينَ ذلكَ ما بين النفختين .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ما بينَ أيْدِينا من الاَخرة وَما خَلْفَنا من الدنيا .

وقال آخرون في ذلك بما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ما بينَ أيْدِينا قال : ما مضى أمامنا من الدنيا وَما خَلْفَنا ما يكون بعدنا من الدنيا والاَخرة وَما بينَ ذلكَ قال : ما بين ما مضى أمامهم ، وبين ما يكون بعدهم .

وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يتأوّل ذلك له ما بينَ أيْدِينا قبل أن نخلق وَما خَلْفَنا بعد الفناء وَما بينَ ذلكَ حين كنا .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : معناه : له ما بين أيدينا من أمر الاَخرة ، لأن ذلك لم يجيء وهو جاء ، فهو بين أيديهم ، فإن الأغلب في استعمال الناس إذا قالوا : هذا الأمر بين يديك ، أنهم يعنون به ما لم يجيء ، وأنه جاء ، فلذلك قلنا : ذلك أولى بالصواب . وما خلفنا من أمر الدنيا ، وذلك ما قد خلفوه فمضى ، فصار خلفهم بتخليفهم إياه ، وكذلك تقول العرب لما قد جاوزه المرء وخلفه هو خلفه ، ووراءه وما بين ذلك : ما بين ما لم يمض من أمر الدنيا إلى الاَخرة ، لأن ذلك هو الذي بين ذينك الوقتين .

وإنما قلنا : ذلك أولى التأويلات به ، لأن ذلك هو الظاهر الأغلب ، وإنما يحمل تأويل القرآن على الأغلب من معانيه ، ما لم يمنع من ذلك ما يجب التسليم له . فتأمل الكلام إذن : فلا تستبطئنا يا محمد في تخلفنا عنك ، فإنا لا نتنزّل من السماء إلى الأرض إلا بأمر ربك لنا بالنزول إليها ، لله ما هو حادث من أمور الاَخرة التي لم تأت وهي آتية ، وما قد مضى فخلفناه من أمر الدنيا ، وما بين وقتنا هذا إلى قيام الساعة . بيده ذلك كله ، وهو مالكه ومصرّفه ، لا يملك ذلك غيره ، فليس لنا أن نحدث في سلطانه أمرا إلا بأمره إيانا به وَما كانَ رَبّكَ نَسِيّا يقول : ولم يكن ربك ذا نسيان ، فيتأخر نزولي إليك بنسيانه إياك بل هو الذي لا يعزُب عنه شيء في السماء ولا في الأرض فتبارك وتعالى ولكنه أعلم بما يدبر ويقضي في خلقه . جل ثناؤه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وَما كانَ رَبّكَ نَسِيّا قال : ما نسيك ربك .