الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيۡنَ أَيۡدِينَا وَمَا خَلۡفَنَا وَمَا بَيۡنَ ذَٰلِكَۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا} (64)

ثم قال تعالى : { وما نتنزل إلا بأمر ربك }[ 64 ] .

هذه الآية نزلت لما استبطأ النبي صلى الله عليه وسلم الوحي .

قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام : " ما منعك أن تزورنا أكثر مما{[44485]} تزورنا ، فنزلت { وما نتنزل إلا بأمر ربك }{[44486]} .

وعن ابن عباس أيضا أنه قال : احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي فيما سأله المشركون عنه{[44487]} من خبر الفتية وخبر الطواف ، وعن الروح ، وقد كان قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم سأخبركم غدا ، ولم يستثن . فأبطأ عنه الوحي أربعين يوما . ثم نزل جبريل عليه السلام : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله }{[44488]} ، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ، وحزن فأتاه جبريل عليه السلام ، فقال : يا رسول الله { وما نتنزل إلا بأمر ربك } الآية{[44489]} .

وكذلك قال قتادة ومجاهد والضحاك{[44490]} باختلاف لفظ واتفاق معنى .

ثم قال تعالى : { له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك }[ 64 ] .

معناه عند أبي العالية : ما بين أيدينا من الدنيا وما خلفنا من الآخرة ( وما بين ذلك ) ما بين النفختين{[44491]} .

وقال ابن عباس : ( ما بين أيدينا ) الآخرة ( وما خلفنا ) من الدنيا{[44492]} .

وكذلك{[44493]} قال قتادة{[44494]} ، إلا أنه قال : ( وما بين ذلك ) ، ما بين الدنيا والآخرة .

وُرُوِيَ عن معمر : ( ما بين ذلك ){[44495]} ما بين النفختين . وكذا قال الضحاك{[44496]} .

وقال ابن جريج : ( ما بين أيدينا ) ما مضى أمامنا من أمر الدنيا ، ( وما خلفنا ) ما يكون بعدنا من الدنيا والآخرة ، ( وما بين ذلك ) ما بين ما مضى أمامهم وما{[44497]} بين ما يكون بعدهم{[44498]} .

وقال الأخفش{[44499]} ( ما بين أيدينا ) : ما كان قبل أن نخلق{[44500]} ( وما خلفنا ) ما يكون بعد أن نموت{[44501]} ( وما بين ذلك ) منذ خلقنا إلى أن نموت{[44502]} .

وقال ابن جبير : ( ما بين ذلك ) ما بين الدنيا والآخرة ، يعني البرزخ{[44503]} .

فيكون المعنى : فلا استبطاء{[44504]} يا محمد في تخلفنا{[44505]} عنك ، فإنا لا نتنزل إلا بأمر ربك لنا بالنزول بما هو حادث من أمور الآخرة ، وما قد مضى من أمر الدنيا ، وما بين هذين الوقتين .

وقوله : { وما كان ربك نسيا } أي ذا نسيان ، فيكون تأخر{[44506]} نزولنا من أجل نسيانه إياك .

قال{[44507]} مجاهد : { وما كان ربك نسيا } أي ما نسيك{[44508]} .


[44485]:ز: كمثل ما.
[44486]:رواه البخاري في صحيحه 6/118 في كتاب التفسير والواحدي في أسباب النزول 170 والسيوطي في لباب النقول 181.
[44487]:ز: سأله عنه المشركون.
[44488]:الكهف: آية 24.
[44489]:انظر: أسباب النزول للواحدي 170 وتفسير ابن كثير 3/130.
[44490]:انظر: جامع البيان 16/104 وتفسير القرطبي 11/128 وتفسير ابن كثير 3/130.
[44491]:انظر: جامع البيان 16/104 وزاد المسير 5/250 وتفسير ابن كثير 3/130 والدر المنثور 4/279.
[44492]:انظر: جامع البيان 16/104 وزاد المسير 5/250.
[44493]:ز: وكذا.
[44494]:انظر: جامع البيان 16/104 وزاد المسير 5/250.
[44495]:(ما بين ذلك) سقطت من ز.
[44496]:انظر: جامع البيان 16/105.
[44497]:ما سقطت من ز.
[44498]:انظر: جامع البيان 16/105 وتفسير القرطبي 11/129.
[44499]:معاني الأخفش 2/104.
[44500]:ز: يخلق.
[44501]:ز: يموت.
[44502]:انظر: المصدر السابق.
[44503]:انظر: زاد المسير 5/250.
[44504]:ز: فلا لاسبتطائنا.
[44505]:ز: خلفنا. (تحريف).
[44506]:ز: تأخير.
[44507]:ز: وقال.
[44508]:انظر: جامع البيان 16/105 وتفسير ابن كثير 3/130.