فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيۡنَ أَيۡدِينَا وَمَا خَلۡفَنَا وَمَا بَيۡنَ ذَٰلِكَۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا} (64)

{ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا { 64 ) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا { 65 ) }

في صحيح البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل : " ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا " ؟ فنزلت : { وما نتنزل إلا بأمر ربك } الآية ؛ قال : كان هذا الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ سئل هاهنا : إن قوله تعالى : { تلك الجنة التي نورث } كلام الله ؛ وقوله بعده : { وما نتنزل إلا بأمر ربك } خطاب ليس من كلام الله ، فما وجب العطف بينهما ؟ وأجيب بأنه إذا كانت القرينة ظاهرة لم يقبح ، فظاهر قوله : { وما نتنزل إلا بأمر ربك } خطاب جماعة لواحد ، وأنه لا يليق إلا بالملائكة الذين ينزلون على الرسول {[1966]} ، قال قتادة وعكرمة وغيرهما : احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ولم يدر ما يجيبهم ، ورجا أن يأتيه جبريل بجواب ما سألوا عنه ؛ قال عكرمة : فأبطأ عليه أربعين يوما ؛ وقال مجاهد : اثنتي عشر ليلة ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك " فقال جبريل عليه السلام : إني كنت أشوق ، ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت ، وإذا حبست احتبست ، فنزلت الآية : { وما نتنزل إلا بأمر ربك } وأنزل : { والضحى . والليل إذا سجى . ما ودعك ربك وما قلى ){[1967]} ؛ نقله كثير من المفسرين ؛ فكأن المعنى : إذا أمرنا ربنا نزلنا ؛ أو : إذا أمرك ربك نزلنا بأمره إليك .

{ له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك } أي : لله علم ما مضى أمامنا من أمر الدنيا ، وما يكون بعدنا من أمر الدنيا والآخرة ، وأحوال البرزخ الذي هو بين الدنيا والآخرة وقال الأخفش : { ما بين أيدينا } ما كان قبل أن نخلق ؛ { وما خلفنا } ما يكون بعد أن نموت ؛ { وما بين ذلك } وما يكون منذ خلقنا إلى أن نموت ؛ { وما كان ربك نسيا } لا ينسى ربك شيئا ، ومن جملة ذلك أنه لم ينسك وإن تأخر عنك الوحي . { رب السماوات والأرض وما بينهما } خالق السماوات والأرض وما ومن فيهما ، وخالق ما بينهما . ومالك ذلك كله ، ومدبره ؛ { فاعبده } لأن الذي يستحق الطاعة والخضوع دون سواه هو الله الخالق البارئ الملك القدوس المهيمن ؛ { واصطبر لعبادته } واصبر صبرا جميلا لما تلاقي في سبيل الدعوة إلى الحق ، والوفاء بأمانات الشرع ؛ { هل تعلم له سميا } ؛ لكأن المعنى : هل تعلم له شبيها أو نظيرا ؟ ! حاشا . والاستفهام يراد به النفي والإنكار ؛ وإنكار العلم ونفيه إنكار للمعلوم ونفي له ؛ مما قال ابن عطية : السمي : بمعنى المسامي والمضاهي .


[1966]:ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن.
[1967]:سورة الضحى. الآيات 1، 2، 3.