تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيۡنَ أَيۡدِينَا وَمَا خَلۡفَنَا وَمَا بَيۡنَ ذَٰلِكَۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا} (64)

{ 64 - 65 } { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }

استبطأ النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام مرة في نزوله إليه فقال له : " لو تأتينا أكثر مما تأتينا " -تشوقا إليه ، وتوحشا لفراقه ، وليطمئن قلبه بنزوله- فأنزل الله تعالى على لسان جبريل : { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ } أي : ليس لنا من الأمر شيء ، إن أمرنا ، ابتدرنا أمره ، ولم نعص له أمرا ، كما قال عنهم : { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } فنحن عبيد مأمورون ، { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ } أي : له الأمور الماضية والمستقبلة والحاضرة ، في الزمان والمكان ، فإذا تبين أن الأمر كله لله ، وأننا عبيد مدبرون ، فيبقى الأمر دائرا بين : " هل تقتضيه الحكمة الإلهية فينفذه ؟ أم لا تقتضيه فيؤخره " ؟ ولهذا قال : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } أي : لم يكن لينساك ويهملك ، كما قال تعالى : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى } بل لم يزل معتنيا بأمورك ، مجريا لك على أحسن عوائده الجميلة ، وتدابيره الجميلة .

أي : فإذا تأخر نزولنا عن الوقت المعتاد ، فلا يحزنك ذلك ولا يهمك ، واعلم أن الله هو الذي أراد ذلك ، لما له من الحكمة فيه .