تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيۡنَ أَيۡدِينَا وَمَا خَلۡفَنَا وَمَا بَيۡنَ ذَٰلِكَۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا} (64)

الآية 64 : وقوله تعالى : { وما نتنزل إلا بأمر ربك } [ هذا الكلام منه لا يكون إلا عن سؤال كان منه ، كأنه قد كان استبطأ نزول جبريل عليه ، فعند ذلك قال له : { وما نتنزل إلا بأمر ربك } ]{[12052]} .

ثم فيه أن لم يقل ذلك إلا بأمر الله ؛ أخبر أنهم { لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون } [ الأنبياء : 27 ] فلا يحتمل لأن يقول له ذلك من تلقاء نفسه ، فيجعل ذلك آية في كتاب الله ، تُتْلَى .

وقوله تعالى : { له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك } كأن هذا الكلام موصول بقوله : { وما نتنزل إلا بأمر ربك } لأنهما جميعا كانا يعلمان أن له ما بين أيديهم وما خلفهم وما بين ذلك . فدل ذلك أنه موصول بالأول .

وجهة الصلة بالأول هو أن يقال : { وما نتنزل إلا بأمر ربك } لا نتقدم إلا بأمره ؛ ولا نتأخر ، ولا نعمل شيئا إلا بأمره . وهو كقوله { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } [ الحجرات : 1 ] .

وأما [ أهل التأويل فقد ]{[12053]} اختلفوا فيه : قال بعضهم : قوله { له ما بين أيدينا } وهو الآخرة { وما خلفنا } ما مضى من الدنيا { وما بين ذلك } الحال التي نحن فيها . وقال بعضهم : قوله : { له ما بين أيدينا وما خلفنا } الآخرة { وما بين ذلك } ما بين النفختين ، وأمثال هذا .

لكن الذي ذكرناه بدءا أولى وأشبه ، إذ هو على الصلة بالأول ألا يتقدم ، ولا يتأخر ، ولا يعمل شيئا إلا بأمره ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وما كان ربك نسيا } هذا يخرج على وجوه ثلاثة .

أحدها : ما قاله بعض أهل التأويل : إن جبريل قد كان احتبس عنه زمانا ، فقال أهل مكة : قد ودعه ربه ، وقلاه ، فنزل : { والضحى } { والليل إذا سجى } { ما ودعك ربك وما قلا } [ الضحى : 1 و2 و3 ] على ما قال المشركون ، فيخرج على هذا قوله : { وما كان ربك نسيا } على الترك أي ما كان ربك تركك كما{[12054]} قال أولئك من التوديع والقلي .

[ والثاني ] {[12055]} : { وما كان ربك نسيا } كملوك الأرض ، يطلب خدمهم وخولهم وقت سهو لهم وحالة غفلتهم ، فيقضون حوائجهم وحوائج من يطلب منه القيام بها . أي ما كان ربك بالذي يسهو لهم ، ويغفل كملوك الأرض .

والثالث : { وما كان ربك نسيا } لتأخير نزول عن وقت النزول ، بل أنزل عليك في الوقت الذي هو وقت النزول . فهذان الوجهان يخرجان على السهو والغفلة ، والأول على الترك .


[12052]:من م، ساقطة من الأصل.
[12053]:في الأصل و.م: غيره من أهل التأويل.
[12054]:في الأصل و.م: لما.
[12055]:في الأصل و.م: ويحتمل.