غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيۡنَ أَيۡدِينَا وَمَا خَلۡفَنَا وَمَا بَيۡنَ ذَٰلِكَۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا} (64)

41

وقوله بعده :{ وما نتنزل إلا بأمر ربك } خطاب ليس من كلام الله فما وجه العطف بينهما : وأجيب بأنه إذا كانت القرينة ظاهرة لم يقبح ، فظاهر قوله : { وما نتنزل إلا بأمر ربك } خطاب جماعة لواحد وإنه لا يليق إلا بالملائكة الذين ينزلون على الرسول كما روي أن قريشاً بعثت خمسة رهط إلى يهود المدينة يسألونهم عن صفة محمد صلى الله عليه وسلم وهل يجدونه في كتابهم . فسألوا النصارى فزعموا أنهم لا يعرفونه ، وقالت اليهود : نجده في كتابنا وهذا زمانه وقد سألنا رحمان اليمامة عن خصال ثلاث فلم يعرف فاسألوه عنهن ، فإن أخبركم بخصلتين منها فاتبعوه ، فاسألوه عن فئة أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فلم يدر كيف يجيب ، فوعدهم الجواب ولم يقل : إن شاء الله . فاحتبس الوحي عليه أربعين يوماً - وقيل خمسة عشر يوماً - فشق عليه ذلك مشقة شديدة . وقال المشركون : ودعه ربه وقلاه . فنزل جبرائيل عليه السلام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أبطأت عني حتى ساء ظني واشتقت إليك . " قال : كنت أشوق ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت وإذ حبست احتبست . فأنزل الله الآية وأنزل قوله : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً }

[ الكهف : 23 ] وسورة الضحى . ومعنى التنزل على ما يليق بهذا الموضع هو النزول على مهل أي نزلنا في الأحايين وقتاً غب وقت ليس إلا بأمر الله عز وجل . ثم أكد جبرائيل ما ذكره بقوله : { له ما بين أيدينا وما خلفنا } من الجهات والأماكن أو من الأزمنة الماضية والمستقبلة وما بينهما من المكان والزمان الذي نحن فيه فلا نتمالك أن ننتقل من جهة إلى جهة ، أو من زمان إلى زمان إلا بأمر ربك ومشيئته . وقيل : له ما سلف من أمر الدنيا وما يستقبل من أمر الآخرة { وما بين ذلك } وهو ما بين النفختين أربعون سنة . وقيل : ما مضى . من أعمارنا وما غبر منها والحال التي نحن فيها أو ما قبل وجودنا وبعد فنائنا . وقيل : الأرض التي بين أيدينا إذا نزلنا . والسماء التي وراءنا ، وما بين السماء والأرض وعلى الأقوال فالمراد أنه المحيط بكل شيء لا يخفى عليه خافية ، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة فكيف يقدم على فعل إلا بأمره !

وقال أبو مسلم : في وجه النظم إن قوله : { وما نتنزل } من قول أهل الجنة لمن بحضرتهم أي ما ننزل الجنة إلا بأمر ربك . أما قوله : { وما كان ربك نسياً } فعلى القول الأول معناه أنه ما كان امتناع النزول إلا لعدم الإذن ولم يكن لترك الله إياكم لقوله : { ما ودّعك ربك وما قلى } [ الضحى :3 ] وعلى قول غير أبي مسلم هو تأكيد لإحاطته تعالى بجميع الأشياء ، وأنه لا يجوز عليه أن يسهو عن شيء ما ألبته . وعلى قول أبي مسلم المراد أنه ليس ناسياً لأعمال العاملين فيثيب كلاً منهم بحسب عمله فيكون من تتمة حكاية قول أهل الجنة ، أو ابتداء كلام من الله تعالى خطاباً لرسوله ويتصل به قوله :{ رب السموات والأرض }

/خ65