قوله تعالى : { سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير هو الأول والآخر والظاهر والباطن } يعني : هو الأول قبل كل شيء بلا ابتداء ، بل كان هو ولم يكن شيء موجوداً ، والآخر بعد فناء كل شيء ، بلا انتهاء تفنى الأشياء ويبقى هو ، والظاهر الغالب العالي على كل شيء ، والباطن العالم بكل شيء ، هذا معنى قول ابن عباس . وقال يمان : هو الأول القديم والآخر الرحيم ، والظاهر الحليم ، والباطن العليم . وقال السدي : هو الأول ببره إذ عرفك توحيده ، والآخر بجوده إذ عرفك التوبة على ما جنيت ، والظاهر بتوفيقه إذ وفقك للسجود له ، والباطن بستره إذ عصيته فستر عليك . وقال الجنيد : هو الأول بشرح القلوب ، والآخر بغفران الذنوب ، والظاهر بكشف الكروب ، والباطن بعلم الغيوب . وسأل عمر -رضي الله تعالى عنه- كعباً عن هذه الآية فقال : معناها إن علمه بالأول كعلمه بالآخر ، وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن . { وهو بكل شيء عليم } ، أنبأنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغفار بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثني زهير بن حرب ، حدثنا جرير عن سهيل قال : " كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول : اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب كل شيء ، فالق الحب والنوى ، منزل التوراة والإنجيل والقرآن ، أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته ، أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عني الدين وأغنني من الفقر " وكان يروى ذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم ذكر - سبحانه - صفات أخرى من صفاته الجليلة فقال : { هُوَ الأول والآخر والظاهر والباطن وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .
أى : هو - سبحانه - الأول والسابق على جميع الموجودات ، إذ هو موجدها ومحدثها ابتداء . فهو موجود قبل كل شىء وجودا لا حد ولا وقت لبدايته .
{ والآخر } أى : الباقى بعد هلاك وفناء جميع الموجودات ، كما قال - تعالى - : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } وأوثر لفظ { الآخر } على لفظ الباقى ليتم الطباق بين الوصفين المتقابلين .
وهو { الظاهر } أى : الظاهر وجوده عن طريق مخلوقاته التى أوجدها بقدرته إذ من المعروف عند كل عاقل أن كل مخلوق لا بد له من خالق ، وكل موجود لا بد له من موجد .
فلفظ { الظاهر } مشتق من الظهور الذى هو ضد الخفاء ، والمراد به هنا ظهور الأدلة العقلية والنقلية على وجوده ووحدانيته وقدرته وعلمه .
ويجوز أن يكون مشتقا من الظهور ، بمعنى الغلبة والعلو على الغير ، كما فى قوله - تعالى - : { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ . . } وعليه يكون المعنى : وهو الغالب العالى على كل شىء .
وهو { والباطن } من البطون بمعنى الخفاء والاستتار ، أى : وهو - سبحانه - المحتجب يكنه ذاته عن أن تدركه الأبصار ، أو أن تحيط بحقيقة ذاته العقول ، كما قال - تعالى - { لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار وَهُوَ اللطيف الخبير } ويصح أن يكون { الباطن } بمعنى العالم بما بطن وخفى من الأمور يقال : فلان أبطن بهذا الأمر من غيره ، أى : أعلم بهذا الشىء من غيره .
ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أى : وهو - سبحانه - عليم بكل ما فى هذا الكون ، لا تخفى عليه خافية من شئونه ، كما قال - تعالى - : { إِنَّ الله لاَ يخفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرض وَلاَ فِي السمآء } قال ابن كثير : وهذه الآية هى المشار إليها فى حديث عرباض بن معاوية أنها أفضل من ألف آية .
وقد اختلفت عبارات المفسرين فى هذه الآية على نحو بضعة عشر قولا وقال البخارى : قال يحيى : الظاهر على كل شىء علما والباطن على كل شىء علما .
وروى الإمام مسلم - فى صحيحه - ، والإمام أحمد - فى مسنده - عن أبى هريرة " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو عند النوم فيقول : " اللهم فاطر السموات ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شىء ، منزل التوراة والإنجيل والقرآن ، فالق الحب والنوى ، لا إله إلا أنت ، أعوذ بك من شر كل شىء أنت آخذ بناصيته ، أنت الأول فليس قبلك شىء ، وأنت الآخر فليس بعدك شىء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شىء ، وأنت الباطن فليس دونك شىء . اقض عنا لادين ، وأغننا من الفقر . . " " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.