اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (3)

قوله تعالى : { هُوَ الأول والآخر } الآية .

قال الزمخشري{[55201]} : فإن قلت : [ فما معنى «الواو » ؟ ] .

قلت : «الواو » الأولى معناها الدلالة على [ أنه الجامع بين الصفتين الأولية ] ، والآخرية .

والثالثة على الجامع بين الظُّهور والخفاء .

وأما الوسطى فعلى أنه الجامع بين مجموع الصفتين الأوليين ، ومجموع الصفتين الأخريين .

فصل في تفسير الآية

قال القرطبي رحمه الله{[55202]} : اختلف في معاني هذه الأسماء وقد شرحها رسول الله صلى الله عليه وسلم شرحاً يغني عن قول كل قائل .

روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللَّهُمَّ أنْتَ الأوَّلُ فليسَ قَبلكَ شيءٌ ، وأنْتَ الآخرُ فليْسَ بعدكَ شيءٌ ، وأنْتَ الظَّاهرُ فليس فوقكَ شيءٌ ، وأنْتَ الباطنُ فليْسَ دُونَك شيءٌ ، اقْضِ عنَّا الدَّينَ ، وأغْنِنَا من الفَقْرِ »{[55203]} ، عنى بالظاهر الغالب ، وبالباطن العالم ، والله أعلم .

قوله : { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .

مما كان أو يكون لا يخفى عليه شيء ، وهذا معنى قول ابن عباس .

قال ابن الخطيب{[55204]} : الظَّاهر بحسب الدلائل ، والباطن بحسب الحواس .

والقول بأن الباطن هو العالم ضعيف ؛ لأنه يلزم منه التكرار في قوله : «وهو بكل شيء عليم بما كان أو يكون » .

فصل في إثبات وحدانية الله

قال ابن الخطيب : احتج كثير من العلماء في إثبات أنَّ الإله واحد بقوله : «هو الأول » ، قالوا : الأول هو الفرد السَّابق ، ولهذا لو قال : أول مملوك اشتريته فهو حر ، ثم اشترى عبدين لم يعتقا ؛ لأن شرط كونه أولاً حصول الفردية ، وهنا لم تحصل ، فلو اشترى بعد ذلك عبداً واحداً لم يعتق ؛ لأن شرط الأولية كونه سابقاً ، وهاهنا لم يحصل ، فثبت أن الشَّرط في كونه أولاً أن يكون فرداً ، فكانت الآية دالة على أنَّ صانع العالم فرد{[55205]} .


[55201]:الكشاف 4/472.
[55202]:الجامع لأحكام القرآن 17/154.
[55203]:أخرجه مسلم (4/284) كتاب الذكر والدعاء، باب: ما يقول عند النوم حديث (61/2713) وأحمد (2/536) من حديث أبي هريرة.
[55204]:ينظر: الفخر الرازي 29/186.
[55205]:ينظر: التفسير الكبير 29/186.