فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (3)

{ هو الأول } قبل كل شيء بلا بداية ، أو السابق على جميع الموجودات من حيث إنه موجدها ومحدثها { والآخر } بعد كل شيء بلا نهاية ، أو الباقي بعد فنائها ، ولو بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن غيرها ، أو الأول خارجا والآخر ذهنا ، أو الأول الذي تبتدأ منه الأسباب وتنتهي إليه المسببات { والظاهر } العالي الغالب على كل شيء ، أو الظاهر وجوده بالأدلة الواضحة .

{ والباطن } أي العالم بما بطن ، من قولهم : فلان يبطن أمر فلان ، أي يعلم داخلة أمره ، أو المعنى المحتجب حقيقة ذاته عن إدراك الأبصار والحواس والعقول ، فلا تكتنهها الألباب والأحلام لا في الدنيا ولا في الآخرة فاضمحل ما في الكشاف من أن فيه حجة على من جوز إدراكه في الآخرة بالحاسة ، وقد فسر هذه الأسماء الأربعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتعين المصير إلى ذلك كما أخرج ابن أبي شيبة ومسلم والترمذي والبيهقي .

" عن أبي هريرة قال : جاءت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله خادما ، فقال : قولي اللهم رب السموات السبع ، ورب العرش العظيم ، وربنا ورب كل شيء ، منزل التوراة والإنجيل والفرقان ، فالق الحب والنوى ، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين واغننا من الفقر " .

وأخرج أحمد ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة من وجه آخر مرفوعا مثل هذا في الأربعة الأسماء المذكورة ، وتفسيرها ، وأخرج أبو الشيخ في العظمة .

" عن عمر وأبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال لا يزال الناس يسألون عن كل شيء حتى يقولوا هذا الله كان قبل كل شي ، فماذا كان قبل الله ؟ فإن قالوا لكم ذلك فقولوا : هو الأول قبل كل شيء ، والآخر فليس بعده شيء ، وهو الظاهر فوق كل شيء ، وهو الباطن دون كل شيء ، وهو بكل شي عليم " .

وأخرج أبو داود .

" عن أبي زميل قال : سألت ابن عباس فقلت : ما شيء أجده في صدري ؟ قال : ما هو ؟ قلت : والله لا أتكلم به ، قال : فقال لي : أشيء من شك قال : وضحك قال : ما نجا من ذلك أحد ، قال : حتى أنزل الله { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك } الآية قال : وقال لي : إذا وجدت في نفسك شيئا فقل : { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم } . لا يعزب عن علمه شيء من المعلومات " .

" عن أبي هريرة قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتدرون ما هذا قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : هذه العنان هذه رواية الأرض يسوقها الله تعالى إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه ثم قال : هل تدرون ما فوقكم قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها الرقيع سقف محفوظ ، وموج مكفوف ، ثم قال : هل تدرون كم بينكم وبينها قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : بينكم وبينها خمسمائة سنة ، ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال سماآن بعد ما بينهما خمسمائة سنة ، حتى عد سبع سموات ما بين كل سماء كما بين السماء والأرض ، ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم ، قال :فإن فوق ذلك العرش ، وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين ثم قال هل تدرون ما تحتكم قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها الأرض ، ثم قال : هل تدرون ما الذي تحت ذلك قالوا الله ورسوله أعلم ، قال فإن تحتها أرض أخرى ، بينهما مسيرة خمسمائة سنة ، حتى عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة ، ثم قال : والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض السابعة السفلى لهبط على الله ثم قرأ هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم " أخرجه {[1564]} الترمذي وقال حديث غريب .

وقال بعض أهل العلم في تفسير هذا الحديث : إنما أراد لهبط على علم الله وقدرته وسلطانه ، وعلم الله في كل مكان ، وهو على العرش كما وصف نفسه في كتابه ، والعنان اسم للسحاب ، ومعنى روايا الأرض الحوافل ، والرقيع اسم لسماء الدنيا .


[1564]:رواه الترمذي.