الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (3)

{ هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ } يعني { هُوَ الأَوَّلُ } قبل كل شيء بِلا حَد ولا ابتداء ، كان هو ولا شيء موجود { وَالآخِرُ } بعد فناء كل شيء { وَالظَّاهِرُ } الغالب العالي على كل شيء ، وكل شيء دونه { وَالْبَاطِنُ } العالم بكل شيء ، فلا أحد أعلم منه .

وهذا معنى قول ابن عباس .

وقال ابن عمر : الأول بالخلق والآخر بالرزق ، والظاهر بالاحياء والباطن بالإماتة .

وقال الضحّاك : هو الذي أول الأول وآخر الاخر ، وأظهر الظاهر وأبطن الباطن .

مقاتل بن حيان : هو الأول بلا تأويل أحد ، والآخر بلا تأخير أحد والظاهر بلا إظهار أحد والباطن بلا إبطان أحد .

وقال يمان : هو الأول القديم ، والآخر الرحيم ، والظاهر الحليم ، والباطن العليم .

وقال محمد بن الفضل : الأول ببرّه والآخر بعفوه ، والظاهر بإحسانه والباطن بسرّه .

وقال أبو بكر الوراق : هو الأول بالأزلية والآخر بالأبدية ، والظاهر بالأحدية والباطن بالصمدية .

عبد العزيز بن يحيى : هذه الواوات مقحمة والمعنى : هو الأول الآخر الظاهر الباطن ، لأن من كان منا أولا لا يكون آخراً ، ومن كان ظاهراً لا يكون باطناً .

وقال الحسين بن الفضل : هو الأول بلا ابتداء ، والآخر بلا إنتهاء ، والظاهر بلا إقتراب ، والباطن بلا إحتجاب .

وقال القناد : الأول السابق إلى فعل الخير والمتقدم على كل محسن إلى فعل الإحسان ، والآخر الباقي بعد فقد الخلق ، والخاتم بفعل الإحسان ، والظاهر الغالب لكل أحد ، ومن ظهر على شيء فقد غلبه ، والظاهر أيضاً : الذي يعلم الظواهر ويشرف على السرائر ، والظاهر أيضاً : ظهر للعقول بالإعلام وظهر للأرواح باليقين وإن خفي على أعين الناظرين ، والباطن الذي عرف المغيّبات وأشرف على المستترات ، والباطن أيضاً : الذي خفي عن الظواهر فلم يدرك إلاّ بالسرائر .

وقال السدي : الأول ببرّه إذ عرّفك توحيده ، والآخر بجوده إذ عرّفك التوبة على ما جنيت ، والظاهر بتوفيقه إذ وفقك للسجود له ، والباطن بستره إذ عصيته فستر عليك .

وقال ابن عطاء : الأول بكشف أحوال الدنيا حتى لا يرغبوا فيها ، والآخر بكشف أحوال العقبى حتى لا يشكّوا فيها ، والظاهر على قلوب أوليائه حتى يعرفوه ، والباطن عن قلوب أعدائه حتى ينكروه .

وقيل : الأول قبل كل معلوم ، والآخر بعد كل مختوم ، والظاهر فوق كل مرسوم ، والباطن محيط بكل مكتوم .

وقيل هو الأول بإحاطة علمه بذنوبنا قبل وجود ذنوبنا ، والآخر بسترها علينا في عقبانا ، والظاهر بحفظه إيانا في دنيانا ، والباطن بتصفية أسرارنا وتنقية أذكارنا .

وقيل : هو الأول بالتكوين ، بيانه قوله

{ إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] والآخر بالتلقين ، بيانه قوله

{ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ } [ إبراهيم : 27 ] الآية .

والظاهر بالتبيين بيانه

{ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } [ النساء : 26 ] والباطن بالتزيين بيانه

{ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } [ الحجرات : 7 ] .

وقال محمد بن علي الترمذي : الأول بالتأليف والآخر بالتكليف والظاهر بالتصريف ، والباطن بالتعريف .

قال الجنيد : هو الأول بشرح القلوب ، والآخر بغفران الذنوب ، والظاهر بكشف الكروب ، والباطن بعلم الغيوب .

وسأل عمر كعباً عن هذه الآية فقال : معناها أن علمه بالأول كعلمه بالآخر وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن .

وقيل : هو الأول بالهيبة والسلطان ، والآخر بالرحمة والاحسان ، والظاهر بالحجة والبرهان ، والباطن بالعصمة والامتنان .

وقيل : هو الأول بالعطاء ، والآخر بالجزاء ، والظاهر بالثناء ، والباطن بالوفاء .

وقيل : هو الأول بالبرّ والكرم ، والآخر بنحلة القسم ، والظاهر باسباغ النعم ، والباطن بدفع النقم .

وقيل : هو الأول بالهداية ، والآخر بالكفاية ، والظاهر بالولاية ، والباطن بالرعاية .

وقيل : هو الأول بالانعام ، والآخر بالاتمام ، والظاهر بالاكرام ، والباطن بالالهام .

وقيل : هو الأول بتسمية الأسماء ، والآخر بتكملة النعماء ، والظاهر بتسوية الأعضاء ، والباطن بصرف الأهواء .

وقيل : هو الأول بإنشاء الخلائق ، والآخر بافناء الخلائق ، والظاهر باظهار الحقائق ، والباطن بعلم الدقائق .

وقال الواسطي : لم يدع للخلق نفساً بعد ما أخبر عن نفسه أنه الأول والآخر والظاهر والباطن .

وسمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت الشبلي يقول : في هذه الآية أشياء ساقطة فإني أول آخر ظاهر باطن .

{ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أخبرنا شعيب بن محمد أخبرنا مكي بن عبدان أخبرنا أحمد بن الأزهر حدّثنا روح بن عبادة ، حدّثنا سعيد عن قتادة قال : " ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في أصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال : " هل تدرون ما هذا ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم .

قال : " هذا العنان هذا روايا الأرض يسوقه الله عزّوجل إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه "

ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك ؟

قالوا : الله ورسوله أعلم .

قال : " فإنها الرقيع موج مكفوف وسقف محفوظ " .

قال : " فكم تدرون بينكم وبينها ؟

قالوا : الله ورسوله أعلم .

قال : " فإن بينكم وبينها مسيرة خمسمائة سنة "

قال : " هل تدرون ما فوق ذلك ؟

قالوا : الله ورسوله أعلم .

قال : " فإن فوقها سماء أخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة " حتى عدّد سبع سماوات بين كل سماءين مسيرة خمسمائة سنة .

ثم قال : " هل تدرون ما فوق ذلك ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم .

قال : " فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء السابعة مثلما بين سماءين " .

ثم قال : " هل تدرون ما الذي تحتكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم .

قال : " فإنها الأرض " .

قال : " فهل تدرون ما تحتها ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم .

قال : " فإن تحتها أرضاً أخرى وبينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عدّد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة " ، ثم قال : والذي نفس محمد بيده لو دليتم أحدكم بحبل إلى الأرض السابعة السفلى لهبط على الله " ثم قرأ { هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } "

ومعناه بالعلم والقدرة والخلق والملك .

أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا أبا مكي ، أخبرنا أحمد بن منصور المروزي ، حدّثنا علي ابن الحسن ، حدّثنا أبو حمزة عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : " دخلت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته خادماً فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أدلك على ماهو خير لك من ذلك أن تقولي : اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء منزل التوراة والإنجيل والفرقان ، فالق الحب والنوى أعوذ بك من شر كل شيء أنت أخذ بناصيته ، أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقضِ عنّا الدين وأغننا من الفقر " " .