لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (3)

قوله جل ذكره : { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .

{ الأول } : لاستحقاقه صفة القِدَم ، و{ الآخرِ } لاستحالة نعت العدَم .

و{ الظاهر } : بالعلو والرفعة ، و{ الباطن } : بالعلم والحكمة .

ويقال : { الأول } فلا افتتاحَ لوجوده و{ الآخر } فلا انقطاعَ لثبوته .

{ الظاهر } فلا خفاءَ في جلال عِزِّه ، { الباطن } فلا سبيل إلى إدراك حقِّه .

ويقال { الأول } بلا ابتداء ، و{ الآخِر } بلا انتهاء ، و{ الظاهر } بلا خفاء ، و{ الباطن } بنعت العلاء وعِزِّ الكبرياء .

ويقال { الأول } بالعناية ، و{ الآخر } بالهداية ، و{ الظاهر } بالرعاية ، و{ الباطن } بالولاية . ويقال : { الأول } بالخَلْق ، و{ الآخِر } بالرزق ، و{ الظاهر } بالإحياء ، و{ الباطن } بالإماتة والإفناء .

قال تعالى : { اللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [ الروم : 40 ] .

ويقال : { الأول } لا بزمان ، و{ الآخر } لا بأوان ، و{ الظاهر } بلا اقتراب ، و{ الباطن } بلا احتجاب .

ويقال : { الأول } بالوصلة ، و{ الآخر } بالخلّة ، و{ الظاهر } بالأدلة ، و{ الباطن } بالبعد عن مشابهة الجملة .

ويقال : { الأول } بالتعريف ، و{ والآخر } بالتكليف ، و{ والظاهر } بالتشريف و{ والباطن } بالتخفيف .

ويقال : { الأول } بالإعلام ، { والآخر } بالإلزام ، { والظاهر } بالإنعام { والباطن } بالإكرام .

ويقال : { الأول } بأن اصطفاك { والآخر } بأن هداك ، { والظاهر } بأن رعاك ، { والباطن } بأن كفاك .

ويقال : مَنْ كان الغالبُ عليه اسمه { الأول } كانت فكرته في حديثِ سابقته : بماذا سمَّاه مولاه ؟ وما الذي أجرى له في سابق حُكْمه ؟ أبسعادته أم بشقائه ؟

ومَنْ كان الغالبُ على قلبه اسمه { الآخِر } كانت فكرته فيه : بماذا يختم له حالَه ؟ وإلام يصير مآلُه ؟ أَعَلى التوحيد يَخْرُجُ من دنياه أو - والعياذُ بالله - في النارِ غداً - مثواه ؟

ومَن كان الغالبُ على قلبه اسمُه { الظاهر } فاشتغاله بشكر ما يجري في الحال من توفيق الإحسان وتحقيق الإيمان وجميل الكفاية وحُسْنِ الرعاية .

ومَنْ كان الغالبُ على قلبه اسمه { الباطن } كانت فكرتُه في استبهام أمره عليه فيتعثَّر ولا يدري . . . أَفَضْلٌ ما يعامله به ربُّ أم مَكْرٌ ما يستدرجه به ربُّه ؟

ويقال : { الأول } علم ما يفعله عبادُه ولم يمنعه عِلْمُه من تعريفهم ، { والآخِر } رأى ما عَمِلوا ولم يمنعه ذلك من غفرانهم { والظاهر } ليس يَخْفَى عليه شيءٌ من شأنهم ، وليس يَدَعُ شيئاً من إحسانهم { والباطن } يعلم ما ليس لهم به عِلْمٌ من خسرانهم ونقصانهم فيدفع عنهم فنونَ مَحَنهم وأحزانهم .