112- إن أوصاف أولئك الذين باعوا أنفسهم للَّه بالجنة أنهم يكثرون التوبة من هفواتهم إلى اللَّه ، ويحمدونه على كل حال ، ويسعون في سبيل الخير لأنفسهم ولغيرهم ، ويحافظون على صلواتهم . ويؤدونها كاملة في خشوع ، ويأمرون بكل خير يوافق ما جاء به الشرع ، وينهون عن كل شر يأباه الدين ويلتزمون بشريعة اللَّه ، وبشر - أيها الرسول - المؤمنين .
ثم وصفهم فقال : { التائبون } ، قال الفراء : استؤنفت بالرفع لتمام الآية وانقطاع الكلام . وقال الزجاج : التائبون رفع للابتداء وخبره مضمر . المعنى : التائبون - إلى آخر الآية - لهم الجنة أيضا . أي : من لم يجاهد غير معاند ولا قاصد لترك الجهاد ، لأن بعض المسلمين يجزي عن بعض في الجهاد ، فمن كانت هذه صفته فله الجنة أيضا ، وهذا أحسن ، فكأنه وعد الجنة لجميع المؤمنين ، كما قال : { وكلا وعد الله الحسنى } [ النساء-95 ] ، فمن جعله تابعا للأول كان الوعد بالجنة خاصا للمجاهدين الموصوفين بهذه الصفة . قوله تعالى : { التائبون } أي : الذين تابوا من الشرك وبرؤوا من النفاق ، { العابدون } المطيعون الذين أخلصوا العبادة لله عز وجل { الحامدون } ، الذين يحمدون الله على كل حال في السراء والضراء . وروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله في السراء والضراء " . { السائحون } ، قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما : هم الصائمون . وقال سفيان بن عيينة : إنما سمي الصائم سائحا لتركه اللذات كلها من المطعم والمشرب والنكاح . وقال عطاء : السائحون الغزاة المجاهدون في سبيل الله . روي عن " عثمان بن مظعون ، رضي الله عنه ، أنه قال : يا رسول الله ائذن لي في السياحة ، فقال : إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " . { الراكعون الساجدون } ، يعنى : المصلين ، { الآمرون بالمعروف } ، بالإيمان ، { والناهون عن المنكر } عن الشرك . وقيل : المعروف السنة والمنكر البدعة . { والحافظون لحدود الله } ، القائمون بأوامر الله . وقال الحسن : أهل الوفاء ببيعة الله . { وبشر المؤمنين * }
{ 112 } { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }
كأنه قيل : من هم المؤمنون الذين لهم البشارة من اللّه بدخول الجنات ونيل الكرامات ؟ فقال : هم { التَّائِبُونَ ْ } أي : الملازمون للتوبة في جميع الأوقات عن جميع السيئات .
{ الْعَابِدُونَ ْ } أي : المتصفون بالعبودية للّه ، والاستمرار على طاعته من أداء الواجبات والمستحبات في كل وقت ، فبذلك يكون العبد من العابدين .
{ الْحَامِدُونَ ْ } للّه في السراء والضراء ، واليسر والعسر ، المعترفون بما للّه عليهم من النعم الظاهرة والباطنة ، المثنون على اللّه بذكرها وبذكره في آناء الليل وآناء النهار .
{ السَّائِحُونَ ْ } فسرت السياحة بالصيام ، أو السياحة في طلب العلم ، وفسرت بسياحة القلب في معرفة اللّه ومحبته ، والإنابة إليه على الدوام ، والصحيح أن المراد بالسياحة : السفر في القربات ، كالحج ، والعمرة ، والجهاد ، وطلب العلم ، وصلة الأقارب ، ونحو ذلك .
{ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ ْ } أي : المكثرون من الصلاة ، المشتملة على الركوع والسجود .
{ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ْ } ويدخل فيه جميع الواجبات والمستحبات .
{ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ ْ } وهي جميع ما نهى اللّه ورسوله عنه .
{ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ْ } بتعلمهم حدود ما أنزل اللّه على رسوله ، وما يدخل في الأوامر والنواهي والأحكام ، وما لا يدخل ، الملازمون لها فعلا وتركا .
{ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ْ } لم يذكر ما يبشرهم به ، ليعم جميع ما رتب على الإيمان من ثواب الدنيا والدين والآخرة ، فالبشارة متناولة لكل مؤمن .
وأما مقدارها وصفتها فإنها بحسب حال المؤمنين ، وإيمانهم ، قوة ، وضعفا ، وعملا بمقتضاه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.