وقوله عزَّ وجلَّ : { التائبون العابدون } ، إلى قوله : { وَبَشِّرِ المؤمنين } [ التوبة : 112 ] .
هذه الأوصافُ هي مِنْ صفات المؤمنين الذين ذكر اللَّه أنَّه اشترى منهم أنفُسَهُمْ وأموالهم ، ومعنى الآية ، على ما تقتضيه أقوالُ العلماء والشَّرْعُ : أنها أوصافُ الكَمَلَةِ من المؤمنين ، ذكرها سبحانه ، لِيَسْتَبِقَ إِليها أهْلُ التوحيد ؛ حتى يكُونوا في أعْلَى رتبةٍ ، والآية الأولى مستقلَّة بنفسها ، يقع تَحْتَ تلك المبايعة كلُّ موحِّد قاتَلَ في سبيل اللَّهِ ، لتكونَ كلمة اللَّه هي العليا ، وإِنْ لم يتَّصفْ بهذه الصفات التي في هذه الآية الثانية أو بأكثرها ، وقالَتْ فرقةٌ : بل هذه الصفاتُ جاءت علَى جهة الشَّرْط ، والآيتان مرتبطتان ، فلا يَدْخُلُ في المبايعة إِلا المؤْمِنُونَ الذين هُمْ عَلى هذه الأوصاف ، وهذا تحريجٌ وتضييقٌ ، والأول أصوبُ ، واللَّه أعلم .
والشهادة ماحيةٌ لكلِّ ذنب إلا لمظالِمِ العِبَادِ ، وقد روي أن اللَّه عِزَّ وجلَّ يحمل على الشَّهِيدِ مَظَالِمَ العبادِ ، ويجازِيهِمْ عنه ، خَتَمَ اللَّهُ لَنَا بالحسنَى .
و{ السائحون } : معناه : الصائمون ، وروي عن عائشة ، أَنها قالَتْ : ( سِيَاحَةُ هَذِهِ الأُمَّةِ الصِّيَام ) أسنده الطبريُّ ، وروي أنه من كلامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم .
قَالَ الفَخْر : ولما كان أصل السياحة الاستمرار على الذَّهاب في الأرض ، سُمِّي الصائم سائحاً ؛ لاستمراره على فِعْل الطاعة وترك المَنْهِيِّ عنه مِنْ المفطِّرات .
قال الفَخْر : عندي فيه وجْهٌ آخر ، وهو أن الإِنسان إذا امتنع مِنَ الأَكل والشُّرب والوِقاع ، وسَدَّ عَلَى نفسه بَابَ الشهواتِ ، انفتحت له أبوابُ الحكمةُ وتجَلَّتْ له أنوار عالَمِ الجَلالِ ؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَخْلَصَ للَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً ، ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ فَيَصير من السائحين في عالَمِ جلالِ اللَّه المنتقلينِ مِنْ مقامٍ إلى مقام ، ومن درجةٍ إلى درجةٍ ) ، انتهى .
قال ( ع ) : وقال بعضُ النَّاس ، وهو في كتاب النَّقَّاش { السائحون } : هم الجائلون بأفكارهم في قُدْرة اللَّه ومَلَكُوتهُ وهذا قولٌ حَسَن ، وهو من أفضل العباداتِ ، و{ الراكعون الساجدون } : هم المصلُّون الصَّلوات ، كذا قال أهل العلم ، ولكن لا يختلف في أنَّ من يكثر النَّوافلَ هو أَدْخَلُ في الاسم ، وأَعْرَقُ في الاتصاف .
وقوله : { والحافظون لِحُدُودِ الله } لفظٌ عامٌّ تحته التزام الشريعة .
( ت ) : قال البخاريُّ : قال ابن عباس : الحدود : الطاعة .
قال ابن العربيُّ في «أحكامه » ، وقوله :{ والحافظون لِحُدُودِ الله } خَاتمةُ البيان ، وعمومُ الاشتمال لكلِّ أمْر ونهْي . انتهى .
وقوله سبحانه : { وَبَشِّرِ المؤمنين } : قِيل : هو لفظ عامٌّ ، أُمِرَ صلى الله عليه وسلم أَنْ يبشِّر أمته جميعاً بالخير من اللَّه ، وقيل : بل هذه الألفاظ خاصَّة لمن لم يَغْزُ ، أي : لما تقدَّم في الآية وعْدُ المجاهدين وفَضْلُهم ، أمر صلى الله عليه وسلم ، أنْ يبشِّر سائر المؤمنين ممَّن لم يَغْزُ بأنَّ الإيمان مُخَلِّص من النَّار ، والحمد للَّه رب العالمين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.