المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (2)

2- إن المؤمنين حقاً وصدقاً يستشعرون دائماً خوف الله وطاعته ، فإذا ذُكر سبحانه فزعت قلوبهم ، وامتلأت هيبة ، ولذا كلما قرئت عليهم آيات من القرآن ازداد إيمانهم رسوخاً ، وازدادوا إذعاناً وعلماً ، ولا يعتمدون إلا على الله الذي خلقهم ويحميهم وينميهم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (2)

قوله تعالى : { إنما المؤمنون } ، يقول ليس المؤمن الذي يخالف الله ورسوله ، إنما المؤمنون الصادقون في إيمانهم ، { الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } ، خافت وفرقت قلوبهم ، وقيل : إذا خوفوا بالله انقادوا خوفاً من عقابه .

قوله تعالى : { وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً } تصديقاً ويقيناً . وقال عمير بن حبيب ، وكانت له صحبة : إن للإيمان زيادةً ونقصاناً ، قيل : فما زيادته ؟ قال : إذا ذكرنا الله عز وجل وحمدناه فذلك زيادته ، وإذا سهونا وغفلنا فذلك نقصانه ، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي : إن للإيمان فرائض وشرائع ، وحدوداً وسنناً ، فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان .

قوله تعالى : { وعلى ربهم يتوكلون } ، أي : يفوضون إليه أمورهم ، ويثقون به ، ولا يرجون غيره ، ولا يخافون سواه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (2)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَىَ رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : ليس المؤمن بالذي يخالف الله ورسوله ويترك اتباع ما أنزله إليه في كتابه من حدوده وفرائضه والانقياد لحكمه ، ولكن المؤمن هو الذي إذا ذكر الله وجل قلبه وانقاد لأمره وخضع لذكره خوفا منه وفَرَقا من عقابه ، وإذا قرئت عليه آيات كتابه صدّق بها وأيقن أنها من عند الله ، فازداد بتصديقه بذلك إلى تصديقه بما كان قد بلغه منه قبل ذلك تصديقا وذلك هو زيادة ما تلى عليهم من آيات الله إياهم إيمانا . وَعلى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ يقول : وبالله يوقنون في أنّ قضاءه فيهم ماض فلا يرجون غيره ولا يرهبون سواه .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إنّمَا المُؤْمِنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال : المنافقون لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه ، ولا يؤمنون بشيء من آيات الله ، ولا يتوكلون على الله ، ولا يصلّون إذا غابوا ، ولا يؤدّون زكاة أموالهم . فأخبر الله سبحانه أنهم ليسوا بمؤمنين ، ثم وصف المؤمنين فقال : إنّمَا المُؤْمنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فأدّوا فرائضه ، وَإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتهُ زَادَتْهُمْ إيمَانا يقول : تصديقا ، وَعلى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ يقول : لا يرجون غيره .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد : الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال : فرِقت .

قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن السديّ : الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال : إذا ذكر الله عند الشيء وجل قلبه .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : إنّمَا المُؤْمِنونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ يقول : إذا ذكر الله وجل قلبه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال : فَرِقَت .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فرقت .

قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، قال : سمعت السديّ يقول في قوله : إنّمَا المُؤْمِنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال : هو الرجل يريد أن يظلم أو قال : يهمّ بمعصية أحسبه قال : فينزع عنه .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان الثوريّ ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي الدرداء ، في قوله : إنّمَا المُؤْمِنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال : الوجل في القلب كإحراق السعفة ، أما تجد له قُشَعْرِيرَةً ؟ قال : بلى . قال : إذا وجدت ذلك في القلب فادع الله ، فإن الدعاء يذهب بذلك .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّمَا المُؤْمِنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال : فرقا من الله ، ووجلاً من الله ، وخوفا من الله تبارك وتعالى .

وأما قوله : زَادَتْهُمْ إيمَانا فقد ذكرت قول ابن عباس فيه . وقال غيره فيه ، ما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : وَإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُه زَادَتْهُمْ إيمَانا قال : خشية .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَإذَا تُلِليَتْ عَلَيْهِمْ آياتِهُ زَادَتْهُمْ إيمَانا وَعلى رَبهِمْ يَتَوّكَلُونَ قال : هذا نعت أهل الإيمان ، فأثبت نعتهم ، ووصفَهم فأثبت صفتهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (2)

{ إنما } لفظ لا تفارقه المبالغة والتأكيد حيث وقع ، ويصلح مع ذلك للحصر ، فإذا دخل في قصة وساعد معناها على الانحصار صح ذلك وترتب كقوله { إنما إلهكم اله واحد }{[5217]} وغير ذلك من الأمثلة ، وإذا كانت القصة لا تتأتى للانحصار بقيت «إنما » للمبالغة والتأكيد فقط ، كقوله عليه السلام «إنما الربا في النسيئة »{[5218]} ، وكقوله «إنما الشجاع عنترة » وأما من قال «إنما » ، هي لبيان الموصوف فهي عبارة فاترة إذ بيان الموصوف يكون في مجرد الإخبار دون «إنما » ، وقوله ها هنا { إنما المؤمنون } ظاهرها أنها للمبالغة والتأكيد فقط أي الكاملون ، { وجلت } معناه : فزعت ورقت وخافت ، وبهذه المعاني فسرت العلماء ، وقرأ ابن مسعود «فرقت » ، وقرأ أبي بن كعب «فزعت »{[5219]} ، يقال وجل يؤجل وياجل وييجل وهي شاذة وييجل بكسر الياء الأولى ووجه هذه أنهم لما أبدلوا الواو ياء لم يكن لذلك وجه قياس ، فكسروا الياء الأولى ليجيء بدل الواو ياء لعلة ، حكى هذه اللغات الأربع سيبويه رحمه الله ، و { تليت } معناه سردت وقرئت ، والآيات هنا القرآن المتلو ، وزيادة الإيمان على وجوه كلها خارج عن نفس التصديق ، منها أن المؤمن إذا كان لم يسمع حكماً من أحكام الله في القرآن فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعه فآمن به ، زاد إيماناً إلى سائر ما قد آمن به ، إذ لكل حكم تصديق خاص ، وهذا يترتب فيمن بلغه ما لم يكن عنده من الشرع إلى يوم القيامة ، وتترتب زيادة الإيمان بزيادة الدلائل ، ولهذا قال مالك الإيمان يزيد ولا ينقص وتترتب بزيادة الأعمال البرة على قول من يرى لفظة الإيمان واقعة على التصديق والطاعات .

وهؤلاء يقولون يزيد وينقص ، وقوله { وعلى ربهم يتوكلون } عبارة جامعة لمصالح الدنيا والآخرة إذا اعتبرت وعمل بحسبها في أن يمتثل الإنسان ما أمر به ويبلغ في ذلك أقصى جهده دون عجز ، وينتظر بعد ما تكفل له به من نصر أو رزق أو غيره ، وهذه أوصاف جميلة وصف الله بها فضلاء المؤمنين فجعلها غاية للأمة يستبق إليها الأفاضل .


[5217]:- من الآية (110) من سورة (الكهف)، وتكررت في الأنبياء (108)، وفي فصلت (6)
[5218]:-أخرجه الإمام أحمد في مسنده، ومسلم، والنسائي، وابن ماجة- عن أسامة بن زيد، ورمز له الإمام جلال الدين السيوطي في "الجامع الصغير" بأنه صحيح. وقال الإمام ابن الأثير في النهاية: النسيئة: هي البيع إلى أجل معلوم، يريد أن بيع الربويات بالتأخير من غير تقابض هو الربا، وإن كان بغير زيادة، وهذا مذهب ابن عباس رضي الله عنهما، كان يرى بيع الربويات متفاضلة مع التقابض جائزا، وأن الربا مخصوص بالنسيئة. (النهاية في غريب الحديث والأثر 5/ 45).
[5219]:- قال العلماء: ينبغي أن تحمل هاتان القراءتان على التفسير.