لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (2)

الوَجَل شِدَّة الخوف ، ومعناه ها هنا أَن يُخْرِجَهم الوَجَلُ عن أوطان الغفلة ، ويزعجهم عن مساكن الغيبة . فإذا انفصلوا عن أوْدية التفرقة وفاؤوا إلى مَشَاهِدِ الذكر نالوا السكون إلى الله - عز وجل ؛ فيزيدُهم ما يُتْلَى عليهم من آياته تصديقاً على تصديق ، وتحقيقاً على تحقيق . فإذا طالعوا جلال قَدْرِهِ ، وأيقنوا قصورَهم عن إدراكه ، توكلوا عليه في إمدادهم بالرعاية في نهايتهم ، كما استخلصهم بالعناية في بدايتهم .

ويقال سُنَّة الحقِّ - سبحانه مع أهل العرفان أن يُرَدِّدَهم بين كَشْفِ جلالٍ ولُطْف جمال ، فإذا كاشفهم بجلاله وَجِلَتْ قلوبُهم ، وإذا لاطفهم بجماله سَكَنَتْ قلوبهم ، قال الله تعالى :{ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ }[ الرعد : 28 ] . ويقال وجلت قلوبهم بخوف فراقه ، ثم تطمئن وتسكن أسرارهم بروْح وصاله . وذكر الفراق يُفْنيهم وذكر الوصال يُصْحيهم ويُحْييهم .

ويقال الطالبون في نَوْحِ رهبتهم ، والواصلون في روْح قربتهم ، والموحِّدون في محو غيبتهم ؛ استولت عليهم الحقائق فلا لهم تطلع لوقتٍ مستأنف فيستفزهم خوف أو يجرفهم طمع ، ولا لهم إحساس فَتَمْلِكُهم لذة ؛ إذ لمَّا اصْطُلِمُوا ببوادهِ ما مَلَكَهُمْ فَهُمْ عنهم مَحْوٌ ، والغالبُ عليهم سواهم .