غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (2)

1

{ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } أي فزعت لذكره استعظاماً لجلاله وحذراً من أليم عقابه . وقد يطمئن القلب بعد ذلك إذا تذكر كمال رأفته وجزيل ثوابه كقوله { ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } [ الزمر : 23 ] وقيل : هو الرجل يريد أن يظلم أو يهم لمعصية فيقال له اتق الله فينزع { وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً } قالت العلماء : زيادة الإيمان تكون على ثلاثة أنحاء الأوّل : بقوّة الدليل وبكثرته ، فإن كل دليل مركب لا محالة من مقدمات . ولا شك في أن النفوس مختلفة في الإشراق والإنارة ، والأذهان متفاوته بالذكاء والغباوة ، فكل من كان جزمه بالمقدمات أكثر وأدوم كان علمه بالنتيجة أكمل وأتم ، وكذا من سنح له على المطلوب دليلان كان علمه أتم ممن لا يجد على المطلوب دليل واحد ولذا يورد العلماء دلائل متعددة على مدلول واحد ولله در القائل : وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد . الثاني : بتعدد التصديق وتجدده ؛ فمن المعلوم أن من صدق إنساناً في شيئين كان تصديقه أزيد من تصديق من صدقه في شيء واحد ، فمعنى الآية أنهم كلما سمعوا آية متجددة أتوا بإقرار جديد . الثالث : أن يقال : الإيمان عبارة عن مجموع الاعتقاد والإقرار والعمل كما ينبئ عنه ظاهر الآية لأنه لما ذكر الأمور الخمسة قال { أولئك هم المؤمنون } فدل ذلك على أن كل تلك الخصال داخلة في مسمى الإيمان ويؤيده ما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان » وإذا كان الإيمان عبارة عن مجموع الأركان الثلاثة فبسبب التفاوت في العمل يظهر التفاوت في الإيمان ، وإن لم يكن التفاوت في الإقرار والاعتقاد متصوراً . أما قوله { وعلى ربهم يتوكلون } فيفيد الحصر أي لا يتوكلون إلا على ربهم وهذه الصفات مرتبة على أحسن جهات الترتيب ؛ فأولى الفزع من عقاب الله ، والثانية الانقياد لتكاليفه ، والثالثة الانقطاع بالكلية عما سواه . ثم لما فرغ من أعمال القلوب وهي الخشية والتسليم والتوكل شرع في وصفهم بأعمال الجوارح وذكر منها رأسها وسنامها وهما الصلاة والصدقة .

/خ10