تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (2)

المفردات :

وجلت قلوبهم : خافت وفزعت .

زادتهم إيمانا : تصديقا ويقينا .

يتوكلون : يثقون بالله لا غيره .

التفسير :

2 { - إنمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياته زَادَتْهُمْ إيمانا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } .

هذه الآية تحريض على التزام طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر به من قسمة الغنيمة .

ومعنى الآية :

إنما المؤمنون الصادقون الذين إذا ذكر الله وذكرت صفاته أمامهم ، خافت قلوبهم وفزعت ، استعظاما لجلاله وتهيبا من سلطانه ، وحذرا من عقابه ورغبة في ثوابه ؛ وذلك لقوة إيمانهم وصفاء نفوسهم ، وشدة مراقبتهم لله عز وجل ووقوفهم عند أمره ونهيه .

{ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياته زَادَتْهُمْ إيمانا } . أي : ومن صفات المؤمنين أنهم إذا قرئت عليهم آيات القرآن أو الأدلة على وجود الله ؛ قوى إيمانهم وتصديقهم وتيقنهم بربهم ، ونشاطهم في أعمالهم وعلى ربهم يتوكلون .

فهم يعتمدون على الله ، ويفوضون أمورهم إليه ويتوجهون إليه بالدعاء مع الأخذ بالأسباب وعدم تركها ، ومراعاة سنن الله في الكون التي لا تتبدل ، ولا تتغير ، ومن تركها ؛ كان جاهلا مؤاخذا .

ويتعلق بهذه الآية ما يأتي :

1 – جمهور العلماء : على أن الإيمان يقبل الزيادة والنقص ، وهو مذهب الجم الغفير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين ، وذهب الإمام أبو حنيفة وكثير من المتكلمين إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، واختاره إمام الحرمين ، محتجين بأنه اسم للتصديق البالغ حد الجزم والإذعان ، وذلك لا يتصور فيه زيادة ولا نقصان وإذا تأملنا الأمر ؛ وجدنا أن رأى جمهور العلماء في هذه المسألة أولى بالقبول ؛ لأنه من الواضح أن إيمان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أرسخ وأقوى من إيمان آحاد الناس ، ولأنه كلما تكاثرت الأدلة ؛ كان الإيمان أشد رسوخا في النفس ، وأعمق أثرا في القلب .

جاء في تفسير أبي السعود ما يأتي :

{ زادتهم إيمانا } : أي : يقينا وطمأنينة نفس ، فأن تظاهر الأدلة وتعاضد الحجج والبراهين موجب لزيادة الاطمئنان وقوة اليقين ، وقيل : إن نفس الإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان وإنما زيادته باعتبار زيادة المؤمن به ، فإنه كلما نزلت آية صدق بها المؤمن فزاد إيمانه عددا وأما نفس الإيمان فهو بحاله ، وقيل : باعتبار أن الأعمال تجعل من الإيمان فيزيد بزيادتها ، والأصوب أن نفس التصديق يقبل القوة ، وهي التي عبر عنها بالزيادة ، للفرق الواضح بين يقين الأنبياء وأرباب المكاشفات ، ويقين آحاد الأمة ، وعليه مبني ما قال على رضي الله عنه : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ، وكذا بين ما قام عليه دليل واحد ، وما قامت عليه أدلة كثيرةvi .

2 – قال الإمام النووى : أن كل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل حتى يكون في بعض الأحيان أعظم يقينا وإخلاصا منه في بعضها ، فكذا التصديق والمعرفة يتفاضلان بحسب ظهور البراهين وكثرتها .

2 – قال تعالى : { وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } . ( البقرة : 360 ) .

فهذه الآية دليل على أن مقام الطمأنينة في الإيمان يزيد على ما دونه من الإيمان المطلق وشبيه بهذه الأدلة في الدلالة على قبول الإيمان للزيادة والنقصان قوله تعالى :

{ هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } . ( الفتح : 4 ) .

وقوله تعالى :

{ ولما رءا المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما }( الأحزاب : 22 ) .

/خ4