وقوله تعالى : { ألم تر كيف ضرب الله مثلا } ، ألم تعلم ، والمثل : قول سائر لتشبيه شيء بشيء . { كلمة طيبة } ، هي قول : لا إله إلا الله ، " كشجرة طيبة " ، { كشجرة طيبة } وهي النخلة يريد : كشجرة طيبة الثمر . وقال أبو ظبيان عن ابن عباس : هي شجرة في الجنة . { أصلها ثابت } ، في الأرض ، { وفرعها } ، أعلاها ، { في السماء } ، كذلك أصل هذه الكلمة : راسخ في قلب المؤمن بالمعرفة والتصديق ، فإذا تكلم بها عرجت ، فلا تحجب حتى تنتهي إلى الله عز وجل . قال الله تعالى : { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } [ فاطر-10 ] .
وقوله : ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم تر يا محمد بعين قلبك فتعلم كيف مثّل الله مثلاً وشبّه شبها كلمة طيبة ، ويعني بالطيبة : الإيمان به جلّ ثناؤه : كشجرة طيبة الثمرة ، وترك ذكر الثمرة استغناء بمعرفة السامعين عن ذكرها بذكر الشجرة . وقوله : أصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السّماءِ يقول عزّ ذكره : أصل هذه الشجرة ثابت في الأرض ، وفرعها ، وهو أعلاها في السماء : يقول : مرتفع علوا نحو السماء .
ألم تر كيف ضرب الله مثلا } كيف اعتمده ووضعه . { كلمة طيّبة كشجرة طيّبة } أي جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة ، وهو تفسير لقوله { ضرب الله مثلا } ، ويجوز أن تكون { كلمة } بدلا من { مثلا } و{ شجرة } صفتها أو خبر مبتدأ محذوف أي هي { كشجرة } ، وأن تكون أول مفعولي ضرب إجراء له مجرى جعل وقد قرئت بالرفع على الابتداء . { أصلها ثابت } في الأرض ضارب بعروقه فيها . { وفرعها } وأعلاها . { في السماء } ويجوز أن يريد وفروعها أي أفنائها على الاكتفاء بلفظ الجنس لاكتسابه الاستغراق من الإضافة . وقرئ " ثابت أصلها " والأول على أصله ولذلك قيل إنه أقوى ولعل الثاني أبلغ .
قوله : { ألم تر } بمعنى ألم تعلم ، و { مثلاً } مفعول بضرب ، و { كلمة } مفعول أول بها ، و { ضرب } هذه تتعدى إلى مفعولين ، لأنها بمنزلة جعل ونحوه إذ معناها : جعل ضربها . وقال المهدوي : { مثلاً } مفعول ، و { كلمة } بدل منه .
قال القاضي أبو محمد : وهذا على أنها تتعدى إلى مفعول واحد ، وإنما أوهم في هذا قلة التحرير في { ضرب } هذه .
والكاف في قوله : { كشجرة } في موضع الحال ، أي مشبهة شجرة .
قال القاضي أبو محمد : وقال ابن عباس وغيره : «الكلمة الطيبة » هي لا إله إلا الله ، مثلها الله ب «الشجرة الطيبة » ، وهي النخلة في قول أكثر المتأولين ، فكأن هذه الكلمة { أصلها ثابت } في قلوب المؤمنين ، وفضلها وما يصدر عنها من الأفعال الزكية والحسنة وما يتحصل من عفو الله ورحمته - هو فرعها يصعد إلى السماء من قبل العبد ، ويتنزل بها من قبل الله تعالى .
وقرأ أنس بن مالك «ثابت أصلها »{[7060]} وقالت فرقة : إنما مثل الله ب «الشجرة الطيبة » المؤمن نفسه ، إذ «الكلمة الطيبة » لا تقع إلا منه ، فكأن الكلام كلمة طيبة وقائلها . وكأن المؤمن ثابت في الأرض وأفعاله وأقواله صاعدة ، فهو كشجرة فرعها في السماء ، وما يكون أبداً من المؤمن من الطاعة ، أو عن الكلمة من الفضل والأجر والغفران هو بمثابة الأكل الذي تأتي به كل حين .
وقوله عن الشجرة { وفرعها في السماء } أي في الهواء نحو السماء ، والعرب تقول عن المستطيل نحو الهواء ، وفي الحديث : «خلق الله آدم طوله في السماء ستون ذراعاً »{[7061]} ، وفي كتاب سيبويه : والقيدودة : الطويل في غير سماء{[7062]} .
قال القاضي أبو محمد : كأنه انقاد وامتد .
وقال أنس بن مالك وابن مسعود وابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد : «الشجرة الطيبة » في هذه الآية هي النخلة ، وروي ذلك في أحاديث {[7063]}وقال ابن عباس أيضاً : هي شجرة في الجنة .
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن تكون شجرة غير معينة إلا أنها كل ما اتصف بهذه الصفات{[7064]} فيدخل في ذلك النخلة وغيرها . وقد شبه الرسول عليه السلام المؤمن الذي يقرا القرآن بالأترجة{[7065]} ، فلا يتعذر أيضاً أن يشبه بشجرتها .