المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِيَادَةٞۖ وَلَا يَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَرٞ وَلَا ذِلَّةٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (26)

26- للذين أحسنوا بالاستجابة لدعوة الله ، فآمنوا وعملوا الخير لدينهم ودنياهم ، لهم المنزلة الحسنى في الآخرة وهي الجنة ، ولهم زيادة على ذلك فضلا من الله وتكريماً ، ولا يغشى وجوههم كآبة من همّ وهوان ، وهؤلاء هم أهل الجنة الذين ينعمون فيها أبداً .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِيَادَةٞۖ وَلَا يَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَرٞ وَلَا ذِلَّةٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (26)

قوله تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } ، أي : للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى ، وهي الجنة ، وزيادة : وهي النظر إلى وجه الله ، هذا قول جماعة من الصحابة ، منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وحذيفة ، وأبو موسى ، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم ، وهو قول الحسين ، وعكرمة ، وعطاء ، ومقاتل ، والضحاك ، والسدي . أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب إملاء ، حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصنعائي ، حدثنا الأسود بن عامر ، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت - يعني البناني - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن صهيب رضي الله عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } ، قال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه ، قالوا : ما هذا الموعود ؟ ألم يثقل موازيننا ، ويبيض وجوهنا ، ويدخلنا الجنة ، ويجرنا من النار ؟ قال : فيرفع الحجاب فينظرون إلى وجه الله عز وجل . قال : فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إليه " . وروي عن ابن عباس : أن الحسنى هي : أن الحسنة بمثلها والزيادة هي التضعيف عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف . وقال مجاهد : الحسنى : حسنة مثل حسنة ، والزيادة المغفرة والرضوان . { ولا يرهق } ، لا يغشى { وجوههم قتر } ، غبار ، جمع قترة . قال ابن عباس وقتادة : سواد الوجه ، { ولا ذلة } ، هوان . قال قتادة : كآبة . قال ابن أبي ليلى : هذا بعد نظرهم إلى ربهم . { أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِيَادَةٞۖ وَلَا يَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَرٞ وَلَا ذِلَّةٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (26)

وقوله : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ . . . } بيان لحسن عاقبة الذين استجابوا لدعوته ، واتبعوا صراطه المستقيم .

أى : للمؤمنين الصادقين الذين قدموا في دنياهم الأعمال الصالحة ، المنزلة الحسني ، والمئوية الحسنى وهى الجنة ، ولهم زيادة على ذلك التفضل من الله - تعالى - عليهم بالنظر إلى وجهه الكريم .

وتفسير الزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم ، مأثور عن جمع من الصحابة منهم أبو بكر ، وعلي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وأبو موسى الأشعري وغيرهم - رضي الله عنهم .

ومستندهم في ذلك الأحاديث النبوية التي وردت في هذا الشأن والتى منها ما أخرجه مسلم في صحيحه عن صهيب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تلا هذه الآية { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ . . . } .

وقال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا . يريد أن ينجزكموه فيقولون : ما هو ؟ ألم يثقل موازيننا ؟ ألم ببيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار ؟ قال : فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه ، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ، ولا أقر لأعينهم " .

وذكر بعضهم أن المراد بالزيادة هنا : " مضاعفة الحسنات بعشر أمثالها أو أكثر أو مغفرته - سبحانه - ما فرط منهم في الدنيا ، ورضوانه عليهم في الآخرة " .

والحق أن التفسير الوادر عن الصحابة . والمؤيد بما جاء في الأحاديث النبوية هو الواجب الاتباع ، ولا يصح العدول عنه . ولا مانع من أن يمن الله عليهم بما يمن من مضاعفة الحسنات ومن المغفرة والرضوان ، بعد نظرهم إلى وجهه الكريم ، أو قبل ذلك .

ولذا قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه : قوله : { وزيادة } هي تضعيف ثواب الأعمال . . وأفضل من ذلك النظر إلى وجهه الكريم . فإنه زيادة أعظم من جميع ما يعطوه .

. وقد روى تفسير الزيادة بالنظر إلى وجهة الكريم عن جمع من السلف والخلف ، وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، ومنها ما رواه ابن جرير عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي يا أهل الجنة - بصوت يسمعه أولهم وآخرهم - إن الله وعدكم الحسنى وزيادة . فالحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الرحمن عز وجل " .

وعن أبي بن كعب أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله - تعالى - { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ } قال : " الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله - تعالى - " .

والمقصود بقوله : { وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ } الإِخبار عن خلوص نعيمهم من كل ما يكدر الصفو ، إثر بيان ما أعطاهم من رضوان .

وقوله : { يرهق } من الرهق بمعى الغشيان والتغطية . يقال : رهقه يرهقه رهقا - من باب طرب - أي غشية وغطاه بسرعة .

والقتر والقترة : الغبار والدخان الذي فيه سواد والذلة : الهوان والصغار . يقال : ذل فلان يذل ذل وذلا ، إذا أصابه الصغار والحقارة .

أى : ولا يغطي وجوههم يوم القيامة شيء مما يغطي وجوه الكفار ، من السواد والهوان والصغار .

وهذه الجملة بما اشتملت عليه من المعاني ، توحى بأن في يوم القيامة من الزحام والأهوال والكروب . ما يجعل آثار الحزن أو الفرح ظاهرة على الوجوه والمشاعر ، فهناك وجوه { عَلَيْهَا غَبَرَةٌ . تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } وهناك وجوه { نَّاضِرَةٌ . إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } وقوله : { أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } تذييل قصد به تأكيد مدحهم ومسرتهم .

أى : أولئك المتصفون بتلك الصفات الكريمة أهم أصحاب دار السلام ، وهم خالدون فيها خلودا أبديا ، لا خوف معه ولا زوال .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{۞لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِيَادَةٞۖ وَلَا يَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَرٞ وَلَا ذِلَّةٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (26)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{للذين أحسنوا الحسنى} يعني: الجنة،

{وزيادة}، يعني: فضل على الجنة النظر إلى وجه الله الكريم،

{ولا يرهق وجوههم قتر}، يعني: ولا يصيب وجوههم قتر، يعني: سواد، ويقال: كسوف، {ولا ذلة}، يعني: ولا مذلة في أبدانهم عند معاينة النار.

{أولئك} الذين هم بهذه المنزلة {أصحاب الجنة هم فيها خالدون} لا يموتون.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: للذين أحسنوا عبادة الله في الدنيا من خلقه فأطاعوه فيما أمر ونَهَى "الحُسْنَى".

ثم اختلف أهل التأويل في معنى الحسنى والزيادة اللتين وعدهما المحسنين من خلقه؛

فقال بعضهم: الحسنى: هي الجنة، جعلها الله للمحسنين من خلقه جزاء، والزيادة عليها: النظر إلى الله تعالى... حدثنا ابن البرقي، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سمعت زهيرا عمن سمع أبا العالية، قال: حدثنا أبيّ بن كعب: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال: «الحُسْنَى: الجَنّةُ والزّيادَةُ: النّظَرُ إلى وَجْهِ الله».

وقال آخرون في الزيادة... عن عليّ رضي الله عنه: "لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ "قال: الزيادة: غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب...

وقال آخرون: الحسنى واحدة من الحسنات بواحدة، والزيادة: التضعيف إلى تمام العشر...

وقال آخرون: الحسنى: حسنة مثل حسنة، والزيادة: زيادة مغفرة من الله ورضوان... وقال آخرون: الزيادة ما أعطوا في الدنيا... وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تبارك وتعالى وعد المحسنين من عباده على إحسانهم الحسنى أن يجزيهم على طاعتهم إياه الجنة وأن تبيض وجوههم، ووعدهم مع الحسنى الزيادة عليها، ومن الزيادة على إدخالهم الجنة أن يكرمهم بالنظر إليه، وأن يعطيهم غرفا من لآلئ، وأن يزيدهم غفرانا ورضوانا، كلّ ذلك من زيادات عطاء الله إياهم على الحسنى التي جعلها الله لأهل جناته. وعمّ ربنا جلّ ثناؤه بقوله: "وَزِيادَةٌ" الزيادات على الحسنى، فلم يخصص منها شيئا دون شيء، وغير مستنكر من فضل الله أن يجمع ذلك لهم، بل ذلك كله مجموع لهم إن شاء الله. فأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يعمّ كما عمه عزّ ذكره...

"وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلّةٌ" لا يغشى وجوههم كآبة ولا كسوف حتى تصير من الحزن كأنما علاها قتر. والقتر: الغبار... "وَلا ذِلّةٌ": ولا هوان. "أولَئِكَ أصْحَابُ الجَنّةِ" يقول هؤلاء الذين وصفت صفتهم هم أهل الجنة وسكانها ومن "هُمْ فيها خَالِدُون" يقول هم فيها ماكثون أبدا لا تبيد فيخافوا زوال نعيمهم، ولا هم بمخرجين فتتنغص عليهم لذتهم...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... (وزيادة) قيل: المحبة في قلوب العباد، يحبه كل محسن، وهيبة له في قلوب الناس؛ يهابه كل أحد على غير سلطان له.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

ويقال:الحسنى في الدنيا توفيق بدوام، وتحقيق بتمام، وفي الآخرة غفران مُعَجَّل، وعيان على التأبيد مُحصَّل.

{وَلاَ يَرْهَقُ وَجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَةٌ أُولَئكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. لا يقع عليهم غبارُ الحجاب، وبعكسه حديث الكفار حيث قال: {وَوُجُوهٌ يَومَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} [عبس:40].

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أنه تعالى لما دعا عباده إلى دار السلام، ذكر السعادات التي تحصل لهم فيها فقال: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} فيحتاج إلى تفسير هذه الألفاظ الثلاثة.

أما اللفظ الأول: وهو قوله: {للذين أحسنوا} فقال ابن عباس: معناه: للذين ذكروا كلمة لا إله إلا الله. وقال الأصم: معناه: للذين أحسنوا في كل ما تعبدوا به، ومعناه: أنهم أتوا بالمأمور به كما ينبغي، واجتنبوا المنهيات من الوجه الذي صارت منهيا عنها.

والقول الثاني: أقرب إلى الصواب لأن الدرجات العالية لا تحصل إلا لأهل الطاعات.

وأما اللفظ الثاني: وهو {الحسنى} فقال ابن الأنباري: الحسنى في اللغة تأنيث الأحسن، والعرب توقع هذه اللفظة على الحالة المحبوبة والخصلة المرغوب فيها، ولذلك لم تؤكد، ولم تنعت بشيء، وقال صاحب «الكشاف»: المراد: المثوبة الحسنى. ونظير هذه الآية قوله: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}

وأما اللفظ الثالث: وهو الزيادة. فنقول: هذه الكلمة مهمة، ولأجل هذا اختلف الناس في تفسيرها، وحاصل كلامهم يرجع إلى قولين:

القول الأول: أن المراد من منها رؤية الله سبحانه وتعالى. قالوا: والدليل عليه النقل والعقل.

أما النقل: فالحديث الصحيح الوارد فيه، وهو أن الحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى الله سبحانه وتعالى.

وأما العقل: فهو أن الحسنى لفظة مفردة دخل عليها حرف التعريف، فانصرف إلى المعهود السابق، وهو دار السلام. والمعروف من المسلمين والمتقرر بين أهل الإسلام من هذه اللفظة هو الجنة، وما فيها من المنافع والتعظيم. وإذا ثبت هذا، وجب أن يكون المراد من الزيادة أمرا مغايرا لكل ما في الجنة من المنافع والتعظيم، وإلا لزم التكرار. وكل من قال بذلك قال: إنما هي رؤية الله تعالى. فدل ذلك على أن المراد من هذه الزيادة: الرؤية. ومما يؤكد هذا وجهان: الأول: أنه تعالى قال: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} فأثبت لأهل الجنة أمرين: أحدهما: نضرة الوجوه والثاني: النظر إلى الله تعالى، وآيات القرآن يفسر بعضها بعضا فوجب حمل الحسنى ههنا على نضرة الوجوه، وحمل الزيادة على رؤية الله تعالى. الثاني: أنه تعالى قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا} أثبت له النعيم، ورؤية الملك الكبير، فوجب ههنا حمل الحسنى والزيادة على هذين الأمرين.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

يخبر تعالى أن لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح أبدله الحسنى في الدار الآخرة، كما قال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ} [الرحمن: 60]. وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم، عن أبي بكر الصديق، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس [قال البغوي وأبو موسى وعبادة بن الصامت] وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن سابط، ومجاهد، وعكرمة، وعامر بن سعد، وعطاء، والضحاك، والحسن، وقتادة، والسدي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم من السلف والخلف. وقد وردت في ذلك أحاديثُ كثيرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد: حدثنا عفان، أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت البُناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} وقال:"إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدًا يريد أن يُنْجِزَكُمُوه. فيقولون: وما هو؟ ألم يُثقِّل موازيننا، ويبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا من النار؟". قال: "فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إليه، فو الله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه، ولا أقر لأعينهم". وهكذا رواه مسلم وجماعة من الأئمة...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وزِيَادَةٌ} هذا بيان لصفة الذين هداهم إلى صراط الإسلام، فوصلوا بالسير عليه إلى غايته، وهي دار السلام، أي للذين أحسنوا أعمالهم في الدنيا المثوبة الحسنى، أي التي تزيد في الحسن على إحسانهم، وهي مضاعفتها بعشرة أمثالها أو أكثر، كما قال في سورة النجم {ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا الحسنى} [النجم: 31]. ولهم زيادة على هذه الحسنى، هي فوق ما يستحقونه على أعمالهم بعد مضاعفتها التي هي من جزائها مهما تكن حسنة كما قال: {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} [النساء: 172]، وقد ورد في الأحاديث الكثيرة من الطرق العديدة أن هذه الزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم، وهو أعلى مراتب الكمال الروحاني الذي لا يصل إليه المتقون المحسنون العارفون إلا في الآخرة. وقد فصلنا القول فيه في تفسير سورة الأعراف (ج 9) بما يقربه من العقل والعلم العصري...

{ولاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ ولاَ ذِلَّةٌ} رهق الرجل الشيء كتعب: أدركه، ورهقه الشيء كالدين والذل: غشيه، وغلب عليه حتى غطاه وحجبه {ولا ترهقني من أمري عسرا} [الكهف: 73]: لا تكلفني ما يعسر عليّ، والقتر الدخان الساطع من الشواء والحطب، وكل غبرة فيها سواد. أي لا يغشي وجوههم في الآخرة شيء مما يغشي وجوه الكفرة الفجرة من الكسوف والظلمة والذلة، كما يأتي قريبا في المقابلة بين الفريقين.

{أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أولئك الموصفون بما ذكر أصحاب الجنة دار السلام والإكرام، خالدون مقيمون فيها لا يبرحونها.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

أي: للذين أحسنوا في عبادة الخالق، بأن عبدوه على وجه المراقبة والنصيحة في عبوديته، وقاموا بما قدروا عليه منها، وأحسنوا إلى عباد الله بما يقدرون عليه من الإحسان القولي والفعلي، من بذل الإحسان المالي، والإحسان البدني، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهلين، ونصيحة المعرضين، وغير ذلك من وجوه البر والإحسان. ثم ذكر اندفاع المحذور عنهم فقال: {وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ْ} أي: لا ينالهم مكروه، بوجه من الوجوه، لأن المكروه، إذا وقع بالإنسان، تبين ذلك في وجهه، وتغير وتكدر.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذه الجملة بدل اشتمال من جملة {ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} [يونس: 25] لأن الهداية بمن يشاء تفيد مهدياً وغير مهدي. ففي هذه الجملة ذِكر ما يشتمل عليه كلا الفريقين، ولك أن تجعلها بدل مفصَّل من مجمل.

ولما أوقع ذكر الذين أحسنوا في جملة البيان عَلم السامع أنهم هم الذين هداهم الله إلى صراط مستقيم وأن الصراط المستقيم هو العمل الحسن، وأن الحُسنى هي دار السلام. ويشرح هذه الآية قوله تعالى في سورة [الأنعام: 125 127]: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا صراط ربك مستقيماً قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون}.

والحسنى: في الأصل صفةُ أثنى الأحسن، ثم عوملت معاملة الجنس فأدخلت عليها لام تعريف الجنس فبعدت عن الوصفية ولَم تَتبع موصوفها.

وتعريفها يفيد الاستغراق، مثل البُشرى، ومثل الصالحة التي جمعها الصالحات. والمعنى: للذين أحسنوا جنسُ الأحوال الحسنى عندهم، أي لهم ذلك في الآخرة. وبذلك تعين أن ماصْدقها الذي أريد بها هو الجنة لأنها أحسن مثوبة يصير إليها الذين أحسنوا وبذلك صيرها القرآن علماً بالغلبة على الجنة ونعيمها من حصول الملاذ العظيمة.

والزيادة يتعين أنها زيادة لهم ليست داخلة في نوع الحُسنى بالمعنى الذي صار علماً بالغلبة، فلا ينبغي أن تفسر بنوع مما في الجنة لأنها تكون حينئذٍ مما يستغرقه لفظ الحسنى فتعين أنها أمر يرجع إلى رفعة الأقدار، فقيل: هي رضى الله تعالى كما قال: {ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر} [التوبة: 72]، وقيل: هي رؤيتهم الله تعالى. وقد ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في « صحيح مسلم» و« جامع الترمذي» عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، قالوا: ألم تبيض وجوهنا وتنجنا من النار وتدخلنا الجنة، قال: فيُكشف الحجاب، قال: فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه. وهو أصرح ما ورد في تفسيرها.

والرهق: الغشيان. وفعله من باب فرح.

والقَتَرُ: لوْنٌ هو غُبرة إلى السواد. ويقال له قترة والذي تخلص لي من كلام الأيمة والاستعمال أن القترة لون يغشى جلدة الوجه من شدة البؤس والشقاء والخوفِ. وهو من آثار تهيج الكَبد من ارتجاف الفؤاد خوفاً وتوقعاً.

والذلة: الهوان. والمراد أثر الذلة الذي يبدو على وجه الذليل. والكلام مستعمل في صريحه وكنايته، أي لا تتشوه وجوههم بالقتر وأثر الذلة ولا يحصل لهم ما يؤثر القتر وهيئة الذلة.

وليس معنَى نفي القتر والذلة عنهم في جملة أوصافهم مديحاً لهم لأن ذلك لا يخطر بالبال وقوعاً بعد أن أثبت لهم الحسنى وزيادة بل المعنى التعريض بالذين لم يهدهم الله إلى صراط مستقيم وهم الذين كسبوا السيئات تعجيلاً للمساءة إليهم بطريق التعريض قبل التصريح الذي يأتي في قوله: {وتَرهقهم ذلة} إلى قوله: {مظلماً} [يونس: 27].

وجملة: {أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} نتيجة للمقدمة، فبينها وبين التي قبلها كمال الاتصال ولذلك فصلت عنها ولم تعطف.

واسم الإشارة يرجع إلى {الذين أحسنوا}. وفيه تنبيه على أنهم استحقوا الخلود لأجل إحسانهم نظير قوله: {أولئك على هدى من ربهم} [البقرة: 5].

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

والنقطة الأُخرى التي ينبغي الالتفات إِليها هنا، هي أن من الممكن أن تستمر هذه الزيادة والإِضافة حتى في عالم الآخرة، أي أنّه في كل يوم سيمنحهم الله سبحانه موهبة ولطفاً جديداً، وهذا يبيّن أن حياة العالم الآخر ليست على وتيرة واحدة، بل تستمر في حركتها نحو التكامل الى ما لانهاية...