محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِيَادَةٞۖ وَلَا يَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَرٞ وَلَا ذِلَّةٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (26)

[ 26 ] { * للذين أحسوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون 26 } .

{ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } أي للذين أحسنوا النظر ، فعرفوا مكر الدنيا والشهوات ، فأعرضوا عنها ، وتوجهوا إلى الله تعالى ، فعبدوه كأنهم يرونه ، المثوبة الحسنى ، وهي الجنة ، وزيادة على المثوبة ، وهي التفضل كما قال تعالى{[4726]} : { ويزيدهم من فضله } . وأعظم أنواعه النظر إلى وجهه تعالى الكريم . ولذا تواتر تفسيرها بالرؤية عن غير واحد من الصحابة والتابعين . ورفعها ابن جرير إلى النبي صلوات الله عليه ، عن أبي موسى وكعب بن عجرة ، وأبيّ . وكذا ابن أبي حاتم .

وروى الإمام أحمد{[4727]} عن صهيب رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تلا هذه الآية { للذين أحسنوا . . . } الخ وقال : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد : يا أهل الجنة ! إن لكم عند الله موعدا ، ويريد أن ينجزكموه . فيقولون : ما هو ؟ ألم يثقل موازيننا ، ألم يبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار ؟ قال : فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه . فوالله ! ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ، ولا أقر لأعينهم " . وهكذا رواه مسلم{[4728]} .

{ ولا يرهق وجوههم قتر } أي لا يغشاها غبرة سوداء من أثر حب الدنيا والشهوات { ولا ذلة } أي أثر هوان ، وكسوف بال ، من أثر الالتفات إلى ما دون الله تعالى .

قال الناصر : وفي تعقيب الزيادة بهذه الجملة مصداق لصحة تفسير الزيادة بالرؤية الكريمة ، فإن فيه تنبيها على إكرام وجوههم بالنظر إلى وجه الله تعالى ، فجدير بهم أن لا يرهق وجوههم قتر البعد ، ولا ذلة الحجاب ؛ عكس المحرومين المحجوبين ، فإن وجوههم مرهقة بقتر الطرد وذلة البعد .

وقوله تعالى : { أولئك } أي الذين أحسنوا { أصحاب الجنة هم فيها خالدون } .


[4726]:[4 / النساء / 173] و [24 / النور / 38] و [35 / فاطر / 30] و [42 / الشورى / 26].
[4727]:أخرجه في مسنده بالصفحة رقم 15 من الجزء السادس (طبعة الحلبي).
[4728]:أخرجه في: 1- كتاب الإيمان، حديث رقم 297 (طبعتنا).