التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{۞لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِيَادَةٞۖ وَلَا يَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَرٞ وَلَا ذِلَّةٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (26)

وقوله : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ . . . } بيان لحسن عاقبة الذين استجابوا لدعوته ، واتبعوا صراطه المستقيم .

أى : للمؤمنين الصادقين الذين قدموا في دنياهم الأعمال الصالحة ، المنزلة الحسني ، والمئوية الحسنى وهى الجنة ، ولهم زيادة على ذلك التفضل من الله - تعالى - عليهم بالنظر إلى وجهه الكريم .

وتفسير الزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم ، مأثور عن جمع من الصحابة منهم أبو بكر ، وعلي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وأبو موسى الأشعري وغيرهم - رضي الله عنهم .

ومستندهم في ذلك الأحاديث النبوية التي وردت في هذا الشأن والتى منها ما أخرجه مسلم في صحيحه عن صهيب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تلا هذه الآية { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ . . . } .

وقال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا . يريد أن ينجزكموه فيقولون : ما هو ؟ ألم يثقل موازيننا ؟ ألم ببيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار ؟ قال : فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه ، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ، ولا أقر لأعينهم " .

وذكر بعضهم أن المراد بالزيادة هنا : " مضاعفة الحسنات بعشر أمثالها أو أكثر أو مغفرته - سبحانه - ما فرط منهم في الدنيا ، ورضوانه عليهم في الآخرة " .

والحق أن التفسير الوادر عن الصحابة . والمؤيد بما جاء في الأحاديث النبوية هو الواجب الاتباع ، ولا يصح العدول عنه . ولا مانع من أن يمن الله عليهم بما يمن من مضاعفة الحسنات ومن المغفرة والرضوان ، بعد نظرهم إلى وجهه الكريم ، أو قبل ذلك .

ولذا قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه : قوله : { وزيادة } هي تضعيف ثواب الأعمال . . وأفضل من ذلك النظر إلى وجهه الكريم . فإنه زيادة أعظم من جميع ما يعطوه .

. وقد روى تفسير الزيادة بالنظر إلى وجهة الكريم عن جمع من السلف والخلف ، وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، ومنها ما رواه ابن جرير عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي يا أهل الجنة - بصوت يسمعه أولهم وآخرهم - إن الله وعدكم الحسنى وزيادة . فالحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الرحمن عز وجل " .

وعن أبي بن كعب أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله - تعالى - { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ } قال : " الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله - تعالى - " .

والمقصود بقوله : { وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ } الإِخبار عن خلوص نعيمهم من كل ما يكدر الصفو ، إثر بيان ما أعطاهم من رضوان .

وقوله : { يرهق } من الرهق بمعى الغشيان والتغطية . يقال : رهقه يرهقه رهقا - من باب طرب - أي غشية وغطاه بسرعة .

والقتر والقترة : الغبار والدخان الذي فيه سواد والذلة : الهوان والصغار . يقال : ذل فلان يذل ذل وذلا ، إذا أصابه الصغار والحقارة .

أى : ولا يغطي وجوههم يوم القيامة شيء مما يغطي وجوه الكفار ، من السواد والهوان والصغار .

وهذه الجملة بما اشتملت عليه من المعاني ، توحى بأن في يوم القيامة من الزحام والأهوال والكروب . ما يجعل آثار الحزن أو الفرح ظاهرة على الوجوه والمشاعر ، فهناك وجوه { عَلَيْهَا غَبَرَةٌ . تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } وهناك وجوه { نَّاضِرَةٌ . إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } وقوله : { أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } تذييل قصد به تأكيد مدحهم ومسرتهم .

أى : أولئك المتصفون بتلك الصفات الكريمة أهم أصحاب دار السلام ، وهم خالدون فيها خلودا أبديا ، لا خوف معه ولا زوال .