النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{۞لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِيَادَةٞۖ وَلَا يَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَرٞ وَلَا ذِلَّةٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (26)

قوله عز وجل : { للَِّذِينَ أَحْسَنُواْ } يعني عبادة ربهم .

{ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } فيه خمسة تأويلات :

أحدها : أن الحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى{[1322]} . وهذا قول أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان وأبي موسى الأشعري .

والثاني : أن الحسنى واحدة من الحسنات ، والزيادة مضاعفتها إلى عشر أمثالها ، قاله ابن عباس .

الثالث : أن الحسنى حسنة مثل حسنة ، والزيادة مغفرة ورضوان ، قاله مجاهد .

والرابع : أن الحسنى الجزاء في الآخرة والزيادة ما أُعطوا في الدنيا ، قاله ابن زيد .

والخامس : أن الحسنى الثواب ، والزيادة الدوام ، قاله ابن بحر .

ويحتمل سادساً : أن الحسنى ما يتمنونه ، والزيادة ما يشتهونه{[1323]} .

{ وَلاَ يَرهَقُ وَجُوهَهُمْ قَتَرٌ } في معنى يرهق وجهان :

أحدهما : يعلو .

الثاني : يلحق ، ومنه قيل غلام مراهق إذا لحق بالرجال .

وفي قوله تعالى : { قَتَرٌ } أربعة أوجه : أحدها : أنه سواد الوجوه ، قاله ابن عباس .

الثاني : أنه الحزن ، قاله مجاهد .

الثالث : أنه الدخان ومنه قتار اللحم وقتار العود وهو دخانه ، قاله ابن بحر .

الرابع : أنه الغبار في محشرهم إلى الله تعالى ، ومنه قول الشاعر{[1324]} :

متوجٌ برداء الملك يتبعه *** موجٌ ترى فوقه الرايات والقترا

{ وَلاَ ذِلَّةٌ } فيها هاهنا وجهان :

أحدهما : الهوان .

الثاني : الخيبة .


[1322]:هذا ينفي تهمة الاعتزال التي رمى بها المؤلف لأنه ذكر هذا القول ولم ينفه والمعتزلة يقولون بعدم رؤية الله في الدنيا ولا في الآخرة.
[1323]:سقط من ق.
[1324]:هو الفرزدق.