المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ لَا يَأۡتِيكُمَا طَعَامٞ تُرۡزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِيلِهِۦ قَبۡلَ أَن يَأۡتِيَكُمَاۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (37)

37- قال لهما - يؤكد ما علماه عنه - لا يأتيكما طعام يُساق إليكما رزقاً مقدراً لكما إلا أخبرتكما بمآله إليكما قبل أن يأتيكما ، وذكرت لكما صنعته وكيفيته ، ذلكما التأويل للرؤيا والإخبار بالمغيبات مما علمني ربي وأوحى به إليّ . لأني أخلصت له عبادتي ، ورفضت أن أشرك به شيئاً ، وابتعدت عن دين قوم لا يصدقون بالله ، ولا يؤمنون به على وجه صحيح ، وهم بالآخرة وحسابها منكرون كافرون .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ لَا يَأۡتِيكُمَا طَعَامٞ تُرۡزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِيلِهِۦ قَبۡلَ أَن يَأۡتِيَكُمَاۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (37)

قوله تعالى : { قال لا يأتيكما طعام ترزقانه } ، قيل : أراد به في النوم ، يقول لا يأتيكما طعام ترزقانه في نومكما ، { إلا نبأتكما بتأويله } ، في اليقظة . وقيل : أراد به في اليقظة ، يقول : لا يأتيكما طعام من منازلكما ترزقانه ، تطعمانه وتأكلانه ، إلا نبأتكما بتأويله بقدره ، وأوانه والوقت الذي يصل فيه إليكما . { قبل أن يأتيكما } ، قبل أن يصل إليكما ، وأي طعام أكلتم ؟ وكم أكلتم ؟ ومتى أكلتم ؟ فهذا مثل معجزة عيسى عليه السلام حيث قال : { وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم } [ آل عمران – 49 ] فقالا : هذا فعل العرافين والكهنة ، فمن أين لك هذا العلم ؟ فقال : ما أنا بكاهن وإنما { ذلكما } ، العلم ، { مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون } ، وتكرار { هم } على التأكيد .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ لَا يَأۡتِيكُمَا طَعَامٞ تُرۡزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِيلِهِۦ قَبۡلَ أَن يَأۡتِيَكُمَاۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (37)

وهذا ما كان من يوسف - عليه السلام - فقد بدأ في رده عليهما بقوله : { قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا . . } .

أى : قال يوسف لرفيقيه في السجن اللذين سألاه أن يفسر لهما رؤياهما : " لاَ يَأْتِيكُمَا " أيها الرفيقان { طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ } في سجنكما ، في حال من الأحوال ، إلا وأخبرتكما بما هيته وكيفيته وسائر أحواله قبل أن يصل إليكما .

وإنما قال لهما ذلك ليبرهن على صدقه فيما يقول ، فيستجيبا لدعوته لهما إلى وحدانية الله بعد ذلك .

وقوله { ذلكما مِمَّا عَلَّمَنِي ربي } نفى لما قد يتبادر إلى ذهنهما من أن علمه مأخوذ عن الكهانة أو التنجيم أو غير ذلك مما لا يقره الدين .

أى : ذلك التفسير الصحيح للرؤيا ، والأخبار عن المغيبات ، كأخباركما عن أحوال طعامكما قبل أن يصل إليكما . .

ذلك كله إنما هو العلم الذي علمنى إياه ربى وخالقى ومالك أمرى ، وليس عن طريق الكهانة أو التنجيم كما يفعل غيرى .

وقوله : { مِمَّا عَلَّمَنِي ربي } فيه إشعار بأن ما أخبرهما به من مغيبات هو جزء من علوم كثيرة علمها إياه ربه - عز وجل - فضلا منه - سبحانه - وكرما .

ثم أضاف إلى ذلك قوله : { إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ } أى دين قوم { لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله } أى لا يدينون بالعبودية لله - تعالى - وحده الذي خلقهم ورزقهم ، وإنما يدينون بالعبودية لآلهة أخرى لا تنفع ولا تضر .

{ وَهُمْ بالآخرة } وما فيها من ثواب وعقاب { هُمْ كَافِرُونَ } جاحدون لما يجب الإِيمان به .

وفى هذه الجملة الكريمة تعريض بما كان عليه العزيز وقومه ، من إشراك وكفر ، ولم يواجه الفتيان بأنهما على دين قومهما ، وإنما ساق كلامه على سبيل العموم ، لكى يزيد في استمالتهما إليه ، وإقبالهما عليه . .

وهذا شأن الدعاة العقلاء ، يلتزمون في دعوتهم إلى الله الحكمة والموعظة الحسنة ، بدون إحراج أو تنفير .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ لَا يَأۡتِيكُمَا طَعَامٞ تُرۡزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِيلِهِۦ قَبۡلَ أَن يَأۡتِيَكُمَاۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (37)

35

وينتهز يوسف هذه الفرصة ليبث بين السجناء عقيدته الصحيحة ؛ فكونه سجينا لا يعفيه من تصحيح العقيدة الفاسدة والأوضاع الفاسدة ، القائمة على إعطاء حق الربوبية للحكام الأرضيين ، وجعلهم بالخضوع لهم أربابا يزاولون خصائص الربوبية ، ويصبحون فراعين !

ويبدأ يوسف مع صاحبي السجن من موضوعهما الذي يشغل بالهما ، فيطمئنهما ابتداء إلى أنه سيؤول لهم الرؤى ، لأن ربه علمه علما لدنيا خاصا ، جزاء على تجرده لعبادته وحده ، وتخلصه من عبادة الشركاء . هو وآباؤه من قبله . . وبذلك يكسب ثقتهما منذ اللحظة الأولى بقدرته على تأويل رؤياهما ، كما يكسب ثقتهما كذلك لدينه :

( قال : لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ، ذلكما مما علمني ربي ، إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله ، وهم بالآخرة هم كافرون . واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء . ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ، ولكن أكثر الناس لا يشكرون ) . .

ويبدو في طريقة تناول يوسف للحديث لطف مدخله إلى النفوس ، وكياسته وتنقله في الحديث في رفق لطيف . . وهي سمة هذه الشخصية البارزة في القصة بطولها . .

( قال : لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ، ذلكما مما علمني ربي ) . .

بهذا التوكيد الموحي بالثقة بأن الرجل على علم لدني ، يرى به مقبل الرزق وينبيء بما يرى . وهذا - فوق دلالته على هبة الله لعبده الصالح يوسف - وهي كذلك بطبيعة الفترة وشيوع النبوءات فيها والرؤى - وقوله : ( ذلكما مما علمني ربي )تجيء في اللحظة المناسبة من الناحية النفسية ليدخل بها إلى قلبيهما بدعوته إلى ربه ؛ وليعلل بها هذا العلم اللدني الذي سيؤول لهما رؤياهما عن طريقه .

( إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله ، وهم بالآخرة هم كافرون ) . .

مشيرا بهذا إلى القوم الذين ربي فيهم ، وهم بيت العزيز وحاشية الملك والملأ من القوم والشعب الذي يتبعهم . والفتيان على دين القوم ، ولكنه لا يواجههما بشخصيتهما ، إنما يواجه القوم عامة كي لا يحرجهما ولا ينفرهما - وهي كياسة وحكمة ولطافة حس وحسن مدخل .

وذكر الآخرة هنا في قول يوسف يقرر - كما قلنا من قبل - أن الإيمان بالآخرة كان عنصرا من عناصر العقيدة على لسان الرسل جميعا ؛ منذ فجر البشرية الأول ؛ ولم يكن الأمر كما يزعم علماء الأديان المقارنة أن تصور الآخرة جاء إلى العقيدة - بجملتها - متأخرا . . لقد جاء إلى العقائد الوثنية الجاهلية متأخرا فعلا ، ولكنه كان دائما عنصرا أصيلا في الرسالات السماوية الصحيحة . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ لَا يَأۡتِيكُمَا طَعَامٞ تُرۡزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِيلِهِۦ قَبۡلَ أَن يَأۡتِيَكُمَاۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (37)

{ قال لا يأتيكما طعام تُرزقانه إلا نبّأتكما بتأويله } أي بتأويل ما قصصتما علي ، أو بتأويل الطعام يعني بيان ماهيته وكيفيته فإنه يشبه تفسير المشكل ، كأنه أراد أن يدعوهما إلى التوحيد ويرشدهما إلى الطريق القويم قبل أن يسعف إلى ما سألاه منه كما هو طريقة الأنبياء والنازلين منازلهم من العلماء في الهداية والإرشاد ، فقدم ما يكون معجزة له من الإخبار بالغيب ليدلهما على صدقه في الدعوة والتعبير . { قبل أن يأتيكما ذلكما } أي ذلك التأويل . { مما علّمني ربي } بالإلهام والوحي وليس من قبيل التكهن أو التنجيم . { إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون } تعليل لما قبله أي علمني ذلك لأني تركت ملة أولئك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ لَا يَأۡتِيكُمَا طَعَامٞ تُرۡزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِيلِهِۦ قَبۡلَ أَن يَأۡتِيَكُمَاۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (37)

جملة { قال لا يأتيكما } جواب عن كلامهما ففصلت على أسلوب حكاية جمل التحاور .

أراد بهذا الجواب أن يفترص إقبالَهما عليه وملازمة الحديث معه إذ هما يترقبان تعبيره الرؤيا فيدمج في ذلك دعوتهما إلى الإيمان الصحيح مع الوعد بأنّه يعبّر لهما رؤياهما غير بعيد ، وجعل لذلك وقتاً معلوماً لهم ، وهو وقت إحضار طعام المساجين إذ ليس لهم في السجن حوادث يوقتون بها ، ولأن انطباق الأبواب وإحاطة الجدران يحول بينهم وبين رؤية الشمس ، فليس لهم إلا حوادث أحوالهم من طعام أو نوم أو هبوب منه .

ويظهر أن أمد إتيان الطعام حينئذٍ لم يكن بعيداً كما دل عليه قوله : { قبل أن يأتيكما } من تعجيله لهما تأويل رؤياهما وأنه لا يتريث في ذلك .

ووصف الطعام بجملة { ترزقانه } تصريح بالضبط بأنه طعام معلوم الوقت لا ترقب طعام يهدى لهما بحيث لا ينضبط حصوله .

وحقيقة الرزق : مَا به النفع ، ويطلق على الطعام كقوله : { وجَد عندها رزقا } [ سورة آل عمران : 37 ] أي طعاماً ، وقوله في سورة الأعراف ( 50 ) { أو ممّا رزقكم الله } وقوله : { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا } [ سورة مريم : 62 ] . ويطلق على الإنفاق المتعارف كقوله : { وارزقوهم فيها واكسوهم } [ سورة النساء : 5 ] . ومن هنا يطلق على العطاء الموقت ، يقال : كان بنو فلان من مرتزقة الجند ، ورزق الجند كذا كل يوم .

وضمير { بتأويله } عائد إلى ما عاد إليه ضمير { بتأويله } [ سورة يوسف : 36 ] الأول ، وهو المرئي أو المنام . ولا ينبغي أن يعود إلى طعام إذ لا يحسن إطلاق التأويل عن الأنباء بأسماء أصناف الطعام خلافاً لما سلكه جمهور المفسرين .

والاستثناء في قوله : إلاّ نَبّأتكما بتأويله } استثناء من أحوال متعددة تناسب الغرض ، وهي حال الإنباء بتأويل الرؤيا وحال عدمه ، أي لا يأتي الطعام المعتاد إلا في حال أني قد نبأتكما بتأويل رؤياكما ، أي لا في حال عدمه . فالقصر المستفاد من الاستثناء إضافي .

وجردت جملة الحال من الواو ( وقَد ) مع أنها مَاضية اكتفاء بربط الاستثناء كقوله تعالى : { ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم } [ سورة التوبة : 121 ] .

وجملة { ذلكما مما علمني ربي } استئناف بياني ، لأنّ وعده بتأويل الرؤيا في وقت قريب يثير عجب السائلين عن قوة علمه وعن الطريقة التي حصل بها هذا العلم ، فيجيب بأن ذلك مما علمه الله تخلصاً إلى دعوتهما للإيمان بإلهٍ واحد . وكان القبط مشركين يدينون بتعدد الآلهة .

وقوله : { ممّا علمني ربي } إيذان بأنّه علّمه علوماً أخرى ، وهي علوم الشريعة والحكمة والاقتصاد والأمانة كما قال : { اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم } [ سورة يوسف : 55 ] .

وزاد في الاستيناف البياني جملة { إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله } لأن الإخبار بأن الله علّمه التّأويل وعلوماً أخرى مما يثير السؤال عن وسيلة حصول هذا العلم ، فأخبر بأن سبب عناية الله به أنّه انفرد في ذلك المكان بتوحيد الله وترك ملة أهل المدينة ، فأراد الله اختياره لديهم ، ويجوز كون الجملة تعليلاً .

والملة : الدين ، تقدم في قوله : { ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً } في سورة الأنعام ( 161 ) .

وأراد بالقوم الذين لا يؤمنون بالله ما يشمل الكنعانيين الذين نشأ فيهم والقبط الذين شبّ بينهم ، كما يدلّ عليه قوله : { ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها } [ سورة يوسف : 39 ] ، أو أراد الكنعانيين خاصة ، وهم الذين نشأ فيهم تعريضاً بالقبط الذين ماثلوهم في الإشراك . وأراد بهذا أن لا يواجههم بالتشنيع استنزالاً لطائر نفورهم من موعظته .

وزيادة ضمير الفصل في قوله : { هم كافرون } أراد به تخصيص قوم منهم بذلك وهم الكنعانيون ، لأنهم كانوا ينكرون البعث مثل كفار العرب . وأراد بذلك إخراج القبط لأن القبط وإن كانوا مشركين فقد كانوا يثبتون بعث الأرواح والجزاء .

والترك : عدم الأخذ للشيء مع إمكانه . أشار به إلى أنه لم يتبع ملة القبط مع حلوله بينهم ، وكون مولاه متديناً بها .