64- واستخفَّ واستنزل بدعائك إلى معصية الله من استعطت منهم ، وأفرغ جهدك في جميع أنواع الإغراء ، وشاركهم في كسب الأموال من الحرام وصرفها في الحرام ، وتكفير الأولاد وإغرائهم على الإفساد ، وعِدْهم المواعيد الباطلة كشفاعة آلهتهم ، والكرامة عند الله بأنسابهم ، وما يعد الشيطان أتباعه إلا بالتغرير والتمويه .
وقوله : { واستفزز } ، واستخفف واستجهد { من استطعت منهم } ، أي : من ذرية آدم ، { بصوتك } ، قال ابن عباس و قتادة : بدعائك إلى معصية الله . وكل داع إلى معصية الله فهو من جند إبليس . قال الأزهري : معناه ادعهم دعاء تستفزهم به إلى جانبك ، أي : تستخفهم . وقال مجاهد : بالغناء والمزامير . { وأجلب عليهم بخيلك ورجلك } ، قيل : اجمع عليهم مكايدك وخيلك ، ويقال : أجلبوا ، و جلبوا ، إذا صاحوا ، يقول : صح بخيلك ورجلك وحثهم عليه بالإغواء . قال مقاتل : استعن عليهم بركبان جندك ومشاتهم ، والخيل : الركبان ، والرجل : المشاة . قال أهل التفسير : كل راكب وماش في معاصي الله فهو من جند إبليس . وقال مجاهد و قتادة : إن له خيلاً ورجلاً من الجن والإنس ، وهو كل من يقاتل في المعصية ، والرجل ، والرجالة والراجلة واحد ، يقال : راجل ورجل ، مثل : تاجر وتجر ، وراكب وركب ، وقرأ حفص ورجلك بكسر الجيم وهما لغتان . { وشاركهم في الأموال والأولاد } فالمشاركة في الأموال : كل ما أصيب من حرام ، أو أنفق في حرام ، هذا قول مجاهد والحسن وسعيد بن جبير . وقال عطاء : هو الربا وقال قتادة هو ما كان المشركون يحرمونه من الأنعام كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام . وقال الضحاك : هو ما كانوا يذبحونه لآلهتهم . وأما الشركة في الأولاد : روي عن ابن عباس : أنها المؤودة . وقال مجاهد والضحاك : هم أولاد الزنا . وقال الحسن ، وقتادة : هو أنهم هودوا أولادهم ، ونصروهم ، ومجسوهم . وعن ابن عباس رواية أخرى : هو تسميتهم الأولاد عبد الحارث وعبد شمس ، وعبد العزى ، وعبد الدار ، ونحوها . وروي عن جعفر بن محمد أن الشيطان يقعد على ذكر الرجل فإذا لم يقل : بسم الله أصاب معه امرأته ، وأنزل في فرجها كما ينزل الرجل . وروي في بعض الأخبار : إن فيكم مغربين ، قيل : وما المغربون ؟ قال : الذي يشارك فيهم الجن . وروي أن رجلاً قال لابن عباس : إن امرأتي استيقظت وفي فرجها شعلة من نار ؟ قال : ذلك من وطء الجن . وفي الآثار : إن إبليس لما أخرج إلى الأرض ، قال : يا رب أخرجتني من الجنة لأجل آدم ، فسلطني عليه وعلى ذريته ، قال : أنت مسلط ، فقال : لا أستطيعه إلا بك فزدني ، قال : استفزز من استطعت منهم بصوتك الآية ، فقال آدم : يا رب سلطت إبليس علي وعلى ذريتي وإني لا أستطيعه إلا بك قال : لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظونه ، قال : زدني ، قال : الحسنة بعشرة أمثالها ، والسيئة بمثلها ، قال : زدني ، قال : التوبة معروضة ما دام الروح في الجسد ، فقال : زدني ، قال : { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } الآية [ الزمر – 53 ] . وفي الخبر : أن إبليس قال : يا رب بعثت أنبياء وأنزلت كتباً فما قراءتي ؟ قال : الشعر ، قال : فما كتابي ؟ قال الوشم ، قال : ومن رسلي ؟ قال : الكهنة ، قال : وأين مسكني ؟ قال : الحمامات ، قال : وأين مجلسي ؟ قال : الأسواق ، قال : أي شيء مطعمي ؟ قال : ما لم يذكر عليه اسمي ، قال : ما شرابي ؟ قال : كل مسكر ، قال : وما حبالي ؟ قال : النساء ، قال : وما أذاني ؟ قال : المزامير . قوله عز وجل : { وعدهم } أي : منهم الجميل في طاعتك . وقيل : قل لهم : لا جنة ولا نار ولا بعث . { وما يعدهم الشيطان إلا غروراً } ، والغرور تزيين الباطل بما يظن أنه حق . فإن قيل : كيف ذكر الله هذه الأشياء وهو يقول : { إن الله لا يأمر بالفحشاء } [ الأعراف – 28 ] ؟ قيل : هذا على طريق التهديد ، كقوله تعالى : { اعملوا ما شئتم } [ فصلت – 40 ] ، وكقول القائل : افعل ما شئت فسترى .
ثم أضاف - سبحانه - إلى إهانته وتحقيره لإِبليس أوامر أخرى ، فقال - تعالى - : { واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال والأولاد وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشيطان إِلاَّ غُرُوراً } .
قال الجمل : أمر الله - تعالى - إبليس بأوامر خمسة ، القصد بها : التهديد والاستدراج ، لا التكليف ، لأنها كلها معاص ، والله لا يأمر بها .
وهذه الأوامر الخمسة هى : اذهب ، واستفزز . . . وأجلب . . . وشاركهم .
وقوله : واستفزز ، من الاستفزاز ، بمعنى الاستخفاف والإِزعاج ، يقال : استفز فلان فلانا إذا استخف به ، وخدعه ، وأوقعه فيما أراده منه . ويقال : فلان استفزه الخوف ، إذا أزعجه .
وقوله : { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } أصل الإِجلاب : الصياح بصوت مسموع . يقال : أجلب فلان على فرسه وجلب عليه ، إذا صاح به ليستحثه على السرعة فى المشى .
قال الآلوسى : " قوله { وأجلب عليهم } أى : صح عليهم من الجلَبة وهى الصياح . قاله الفراء وأبو عبيدة . وقال الزجاج : أجلب على العدو : جمع عليه الخيل . وقال ابن السكيت : جلب عليه : أعان عليه . وقال ابن الأعرابى : أجلب على الرجل ، إذا توعده الشر ، وجمع عليه الجمع .
والخيل : يطلق على الأفراس حقيقة ولا واحد له من لفظه ، وعلى الفرسان مجازا ، وهو المراد هنا .
ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم فى بعض غزواته لأصحابه : " يا خيل الله اركبى " والرجل - بكسر الجيم - بمعنى راجل - كحذر بمعنى حاذر - هو الذى يمشى رجلاً ، أى غير راكب . . . " .
والمعنى . قال الله - تعالى - لإِبليس : اذهب أيها اللعين مذءوما مدحورًا . فإن جهنم هى الجزاء المعد لك ولأتباعك من ذرية آدم ، وافعل ما شئت معهم من الاستفزاز والخداع والإِزعاج ولهو الحديث وأجلب عليهم ما تستطيع جلبه من مكايد ، وما تقدر عليه من وسائل ، كأن تناديهم بصوتك ووسوستك إلى المعاصى ، وكأن تحشد جنودك على اختلاف أنواعهم لحربهم وإغوائهم وصدهم عن الطريق المستقيم .
قال صاحب الكشاف : " فإن قلت : ما معنى استفزاز إبليس بصوته ، وإجلابه بخيله ورجله ؟
قلت : هو كلام وارد مورد التمثيل شبهت حاله فى تسلطه على من يغويه ، بمغوار أوقع على قوم ، فصوت بهم صوتًا يستفزهم من أماكنهم ، ويقلقهم عن مراكزهم ، وأجلب عليهم بجنده ، من خيالة ورجالة حتى استأصلهم ، وقيل : بصوته ، أى : بدعائه إلى الشر ، وبخيله ، ورجله : أى كل راكب وماش من أهل العبث . وقيل : يجوز أن يكون لإِبليس خيل ورجال " .
وعلى أية حال ، فالجملة الكريمة تصوير بديع ، لعداوة إبليس لآدم وذريته ، وأنه معهم فى معركة دائمة ، يستعمل فيها كل وسائل شروره ، ليشغلهم عن طاعة ربهم ، وليصرفهم عن الصراط المستقيم ، ولكنه لن يستطيع أن يصل إلى شئ من أغراضه الفاسدة ، ما داموا معتصمين بدين ربهم - عز وجل - .
وقوله - سبحانه - : { وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال والأولاد وَعِدْهُمْ } ، معطوف على ما قبله .
أى : وشاركهم فى الأموال ، بأن تحضهم على جمعها من الطرق الحرام ، وعلى إنفاقها فى غير الوجوه التى شرعها الله ، كأن يستعملوها فى الربا والرشوة وغير ذلك من المعاملات المحرمة .
وشاركهم فى الأولاد : بأن تحثهم على أن ينشئوهم تنشئة تخالف تعاليم دينهم الحنيف وبأن تيسر لهم الوقوع فى الزنا الذى يترتب عليه ضياع الأنساب ، وبأن تظاهرهم على أن يسموا أولادهم بأسماء يبغضها الله - عز وجل - ، إلى غير ذلك من وساوسك التى تغرى الآباء بأن يربوا أبناءهم تربية يألفون معها الشرور والآثام ، والفسوق والعصيان .
قال الإِمام ابن جرير بعد أن ساق عددًا من الأقوال فى ذلك : " وأولى الأقوال بالصواب أن يقال : كل مولود ولدته أنثى ، عصى الله فيه ، بتسميته بما يكرهه الله ، أو بإدخاله فى غير الدين الذى ارتضاه الله ، أو بالزنا بأمه ، أو بقتله أو وأده ، أو غير ذلك من الأمور التى يعصى الله بفعله به أو فيه ، فقد دخل فى مشاركة إبليس فيه ، من ولد ذلك الولد له أو منه ، لأن الله لم يخصص بقوله : { وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال والأولاد } معنى الشركة فيه ، بمعنى دون معنى ، فكل ما عصى الله فيه أو به ، أو أطيع الشيطان فيه أو به فهو مشاركة . . . " .
وقد علق الإِمام ابن كثير على كلام ابن جرير بقوله : وهذا الذى قاله - ابن جرير - متجه ، فقد ثبت فى صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله - عز وجل - إنى خلقت عبادى حنفاء ، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم " .
وفى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتى أهله قال : باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يقدر بينهما ولد فى ذلك لم يضره الشيطان أبدًا " .
وقوله : { وعدهم } أى : وعدهم بما شئت من المواعيد الباطلة الكاذبة . كأن تعدهم بأن الدنيا هى منتهى آمالهم . فعليهم أن يتمتعوا بها كيف شاءوا بدون تقيد بشرع أو دين أو خلق . وكأن تعدهم بأنه ليس بعد الموت حساب أو ثواب أو عقاب ، أو جنة أو نار . . .
وقوله سبحانه { وَمَا يَعِدُهُمُ الشيطان إِلاَّ غُرُوراً } تحذير من الله تعالى لعباده من اتباع الشيطان ، ومن السير وراء خطواته .
وأصل الغرور تزين الباطل بما يوهم أنه حق . يقال : غر فلان فلانا فهو يغُره غرورًا إذا خدعه ، وأصله من الغُرُّ ، وهو الأثر الظاهر من الشئ ، ومنه غرة الفرس لأنها أبرز ما فيه . ولفظ { غرورا } صفة لموصوف محذوف .
والتقدير : وعدهم - أيها الشيطان - بما شئت من الوعود الكاذبة ، وما يعد الشيطان بنى آدم إلا وعدا غرورا .
ويجوز أن يكون مفعولاً لأجله فيكون المعنى : وما يعدهم الشيطان إلا من أجل الغرور والمخادعة .
وفى الجملة الكريمة التفات من الخطاب إلى الغيبة ، إهمالاً لشأن الشيطان ، وبيانًا لحاله مع بنى آدم ؛ حتى يحترسوا منه ويحذروه .
( واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك ) .
وهو تجسيم لوسائل الغواية والإحاطة ، والاستيلاء على القلوب والمشاعر والعقول . فهي المعركة الصاخبة ، تستخدم فيها الأصوات والخيل والرجل على طريقة المعارك والمبارزات . يرسل فيها الصوت فيزعج الخصوم ويخرجهم من مراكزهم الحصينة ، أو يستدرجهم للفخ المنصوب والمكيدة المدبرة . فإذا استدرجوا إلى العراء أخذتهم الخيل ، وأحاطت بهم الرجال !
( وشاركهم في الأموال والأولاد ) . .
وهذه الشركة تتمثل في أوهام الوثنية الجاهلية ، إذ كانوا يجعلون في أموالهم نصيبا للآلهة المدعاة - فهي للشيطان - وفي أولادهم نذورا للآلهة أو عبيدا لها - فهي للشيطان - كعبد اللات وعبد مناة . وأحيانا كانوا يجعلونها للشيطان رأسا كعبد الحارث !
كما تتمثل في كل مال يجبى من حرام ، أو يتصرف فيه بغير حق ، أو ينفق في إثم . وفي كل ولد يجيء من حرام . ففيه شركة للشيطان .
والتعبير يصور في عمومه شركة تقوم بين إبليس وأتباعه تشمل الأموال والأولاد وهما قوام الحياة !
وإبليس مأذون في أن يستخدم وسائله كلها ، ومنها الوعود المغرية المخادعة : ( وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ) كالوعد بالإفلات من العقوبة والقصاص . والوعد بالغنى من الأسباب الحرام . والوعد بالغلبة والفوز بالوسائل القذرة والأساليب الخسيسة . . .
ولعل أشد الوعود إغراء الوعد بالعفو والمغفرة بعد الذنب والخطيئة ؛ وهي الثغرة التي يدخل منها الشيطان على كثير من القلوب التي يعز عليه غزوها من ناحية المجاهرة بالمعصية والمكابرة . فيتلطف حينئذ إلى تلك النفوس المتحرجة ، ويزين لها الخطيئة وهو يلوح لها بسعة الرحمة الإلهية وشمول العفو والمغفرة !
وقوله : { وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } قيل : هو الغناء . قال مجاهد : باللهو والغناء ، أي : استخفهم بذلك .
وقال ابن عباس في قوله : { وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } قال : كل داع دعا إلى معصية الله ، عز وجل ، وقال قتادة ، واختاره ابن جرير .
وقوله : { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } يقول : واحمل عليهم بجنودك خَيَّالتهم ورَجْلتَهم{[17645]} ؛ فإن " الرّجْل " جمع " راجل " ، كما أن " الركب " جمع " راكب " و " صحب " جمع " صاحب " .
ومعناه : تسلط عليهم بكل ما تقدرعليه . وهذا أمر قدري ، كما قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا } [ مريم : 83 ] أي : تزعجهم إلى المعاصي إزعاجًا ، وتسوقهم إليها{[17646]} سوقًا . وقال ابن عباس ، ومجاهد في قوله : { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } قال : كل راكب وماش في معصية الله .
وقال قتادة : إن له خيلا ورجالا من الجن والإنس ، وهم الذين يطيعونه .
وتقول العرب : " أجلب فلان على فلان " : إذا صاح عليه . ومنه : " نهى في المسابقة عن الجَلَب والجَنَب " ومنه اشتقاق " الجلبة " ، وهي ارتفاع الأصوات .
وقوله : { وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ } قال ابن عباس ومجاهد : هو ما أمرهم به من إنفاق الأموال في معاصي الله .
وقال عطاء : هو الربا . وقال الحسن : [ هو ]{[17647]} جمعها من خبيث ، وإنفاقها في حرام . وكذا قال قتادة .
وقال العوفي ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : أما مشاركته إياهم في أموالهم ، فهو ما حرموه من أنعامهم ، يعني : من البحائر والسوائب ونحوها . وكذا قال الضحاك وقتادة .
[ ثم ]{[17648]} قال ابن جرير : والأولى أن يقال : إن الآية تعم ذلك كله .
وقوله : { وَالأولادِ } قال العوفي عن ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك : يعني أولاد الزنا .
وقال علي ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هو ما كانوا قتلوه من أولادهم سفهًا بغير علم .
وقال قتادة ، عن الحسن البصري : قد والله شاركهم في الأموال والأولاد مَجَّسُوا وهودوا ونَصّروا وصبغوا غير صبغة الإسلام ، وجَزَّؤوا من أموالهم جزءًا للشيطان{[17649]} وكذا قال قتادة سواء .
وقال أبو صالح ، عن ابن عباس : هو تسميتهم أولادهم " عبد الحارث " و " عبد شمس " و " عبد فلان " .
قال ابن جرير : وأولى الأقوال بالصواب أن يقال : كل مولود ولدته أنثى ، عصى الله فيه ، بتسميته ما{[17650]} يكرهه الله ، أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله ، أو بالزنا بأمه ، أو بقتله ووأده ، وغير ذلك من الأمور التي يعصي{[17651]} الله بفعله به أو فيه ، فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك الولد له أو منه ؛ لأن الله لم يخصص بقوله : { وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ } معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى ، فكل ما عصي الله فيه - أو به ، وأطيع فيه الشيطان - أو به ، فهو مشاركة .
وهذا الذي قاله مُتَّجه ، وكل{[17652]} من السلف ، رحمهم الله ، فسر بعض المشاركة ، فقد ثبت في صحيح مسلم ، عن عياض بن حمار{[17653]} ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله عز وجل : إني خلقت عبادي حُنفاء ، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم{[17654]} عن دينهم ، وحَرّمت عليهم ما أحللت لهم " {[17655]} .
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يُقَدّر بينهما ولد في ذلك ، لم يضره الشيطان أبدًا " {[17656]} .
وقوله : { وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا } كما أخبر تعالى عن إبليس أنه يقول إذا حصحص الحق يوم يقضى بالحق : { إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } الآية [ إبراهيم : 22 ] .
القول في تأويل قوله تعالى { وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشّيْطَانُ إِلاّ غُرُوراً } .
يقول تعالى ذكره بقوله وَاسْتَفزِزْ واستخفف واستجهل ، من قولهم : استفزّ فلانا كذا وكذا فهو يستفزّه مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوتِكَ . اختلف أهل التأويل في الصوت الذي عناه جلّ ثناؤه بقوله وَاسْتَفْزِز مَ . نِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوتِك فقال بعضهم : عنى به : صوت الغناء واللعب . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله وَاسْتَفْزِز مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال : باللهو والغناء .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا يذكر ، عن مجاهد ، في قوله : وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال : اللعب واللهو .
وقال آخرون : عنى به واسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بدعائك إياه إلى طاعتك ومعصية الله . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال : صوته كلّ داع دعا إلى معصية الله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال : بدعائك .
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال : إن الله تبارك وتعالى قال لإبليس : واستفزز من ذرّية آدم من استطعت أن تستفزّه بصوتك ، ولم يخصص من ذلك صوتا دون صوت ، فكل صوت كان دعاء إليه وإلى عمله وطاعته ، وخلافا للدعاء إلى طاعة الله ، فهو داخل في معنى صوته الذي قال الله تبارك وتعالى اسمه له وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ .
وقوله : وأجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ ورَجِلكَ يقول : وأجمع عليهم من ركبان جندك ومشاتهم من يجلب عليها بالدعاء إلى طاعتك ، والصرف عن طاعتي . يقال منه : أجلب فلان على فلان إجلابا : إذا صاح عليه . والجَلَبة : الصوت ، وربما قيل : ما هذا الجَلَب ، كما يقال : الغَلَبة والغَلَب ، والشّفَقَة والشّفَق . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل ، ذكر من قال ذلك :
حدثني سلم بن جنادة ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا يذكر عن مجاهد ، في قوله وأجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ ورَجِلِكَ قال : كلّ راكب وماش في معاصي الله تعالى .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وأجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ قال : إن له خيلاً ورجلاً من الجنّ والإنس ، وهم الذين يطيعونه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وأجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ ورَجِلِكَ قال الرجال : المشاة .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله وأجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ قال : خيله : كل راكب في معصية الله ورجله : كل راجل في معصية الله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله وأجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ قال : ما كان من راكب يقاتل في معصية الله فهو من خيل إبليس ، وما كان من راجل في معصية الله فهو من رجال إبليس . والرجْل : جمع راجل ، كما التجْر : جمع تاجر ، والصّحْب : جمع صاحب .
وأما قوله : وَشارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ والأوْلادِ ، فإن أهل التأويل اختلفوا في المشاركة التي عنيت بقوله وَشارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ والأوْلادِ فقال بعضهم : هو أمره إياهم بإنفاق أموالهم في غير طاعة الله واكتسابهموها من غير حلها . ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا يذكر عن مجاهد وَشارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ التي أصابوها من غير حلها .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَشارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ قال : ما أكل من مال بغير طاعة الله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء بن أبي رَباح ، قال : الشرك في أموال الربا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، في قوله وَشارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال : قد والله شاركهم في أموالهم ، وأعطاهم الله أموالاً فأنفقوها في طاعة الشيطان في غير حقّ الله تبارك اسمه ، وهو قول قتادة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد ، عن معمر ، قال : قال الحسن وَشارِكْهُمْ في الأمْوَالِ مرهم أن يكسبوها من خبيث ، وينفقوها في حرام .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس وَشارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال : كلّ مال في معصية الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَشارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال : مشاركته إياهم في الأموال والأولاد ، ما زَيّن لهم فيها من معاصي الله حتى ركبوها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد وَشارِكْهُمْ في الأمْوَالِ كلّ ما أنفقوا في غير حقه .
وقال آخرون : بل عُنِي بذلك كلّ ما كان من تحريم المشركين ما كانوا يحرّمون من الأنعام كالبحائر والسوائب ونحو ذلك . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : وَشارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال : الأموال : ما كانوا يحرّمون من أنعامهم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عيسى ، عن عمران بن سليمان . عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : مشاركته في الأموال أن جعلوا البحيرة والسائبة والوصيلة لغير الله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَشارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ فإنه قد فعل ذلك أما في الأموال ، فأمرهم أن يجعلوا بحيرة وسائبة ووصيلة وحاما .
قال أبو جعفر : الصواب : حاميا .
وقال آخرون : بل عُنِي به ما كان المشركون يذبحونه لاَلهتهم . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : وَشارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ والأوْلادِ يعني ما كانوا يذبحون لاَلهتهم .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عُنِي بذلك كلّ مال عصى الله فيه بإنفاق في حرام أو اكتساب من حرام ، أو ذبح للاَلهة ، أو تسييب ، أو بحر للشيطان ، وغير ذلك مما كان معصيا به أو فيه ، وذلك أن الله قال وَشارِكْهُمْ في الأمْوَالِ فكلّ ما أطيع الشيطان فيه من مال وعصى الله فيه ، فقد شارك فاعل ذلك فيه إبليس ، فلا وجه لخصوص بعض ذلك دون بعض .
وقوله : والأوْلادِ اختلف أهل التأويل في صفة شركته بني آدم في أولادهم ، فقال بعضهم : شركته إياهم فيهم بزناهم بأمهاتهم . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وَشارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال : أولاد الزنا .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا يذكر عن مجاهد وشارِكْهُمْ في الأمْوَالِ والأوْلادِ قال : أولاد الزنا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَشارِكْهُم فِي الأمْوَالِ والأولادِ قال : أولاد الزنا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : أولاد الزنا .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول وَشارِكْهُمْ في الأمْوَالِ والأولادِ قال : أولاد الزنا ، يعني بذلك أهل الشرك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : وَشارِكْهُم فِي الأمْوَالِ والأولادِ قال : الأولاد : أولاد الزنا .
وقال آخرون : عُني بذلك : وأْدُهم أولادَهم وقتلهموهم . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس وَشارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ والأولادِ قال : ما قتلوا من أولادهم ، وأتوا فيهم الحرام .
وقال آخرون : بل عني بذلك : صبغهم إياهم في الكفر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن وَشارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ والأولاد قال : قد والله شاركهم في أموالهم وأولادهم ، فمجسوا وهوّدوا ونصروا وصبغوا غير صبغة الإسلام وجزءوا من أموالهم جزءا للشيطان .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَشارِكْهُمْ فِي الأمْوَال والأولادِ قال : قد فعل ذلك ، أما في الأولاد فإنهم هوّدوهم ونصّروهم ومجّسوهم .
وقال آخرون : بل عني بذلك تسميتهم أولادهم عبد الحرث وعبد شمس . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني عيسى بن يونس ، عن عمران بن سليمان ، عن أبي صالح عن ابن عباس وَشارِكْهُم فِي الأمْوَالِ والأولادِ قال : مشاركته إياهم في الأولاد ، سموا عبد الحرث وعبد شمس وعبد فلان .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : كلّ ولد ولدته أنثى عصى الله بتسميته ما يكرهه الله ، أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله ، أو بالزنا بأمه ، أو قتله ووأده ، أو غير ذلك من الأمور التي يعصى الله بها بفعله به أو فيه ، فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك المولود له أو منه ، لأن الله لم يخصص بقوله وَشارِكْهُم في الأمْوَالِ والأولادِ معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى ، فكلّ ما عصى الله فيه أو به ، وأطيع به الشيطان أو فيه ، فهو مشاركة من عصى الله فيه أو به إبليس فيه .
وقوله : وَعِدْهُم وَما يَعِدُهُمُ الشّيْطانُ إلاّ غُرُورا يقول تعالى ذكره لإبليس : وعد أتباعك من ذرّية آدم ، النصرة على من أرادهم بسوء . يقول الله : وَما يَعِدُهُمْ الشّيْطانُ إلاّ غُرُورا لأنه لا يغني عنهم من عقاب الله إذا نزل بهم شيئا ، فهم من عداته في باطل وخديعة ، كما قال لهم عدوّ الله حين حصحص الحقّ إنّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعَدَ الحَقّ وَوَعَدتُكُمْ فَأخْلَفْتُكُمْ وَما كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إلاّ أنْ دَعَوْتُكْمْ فاسْتَجَبَتُمْ لي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أنْفُسَكُمْ ما أنا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أنْتُمْ بِمُصْرِخِيّ إنّي كَفَرْتُ بِمَا أشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ .
{ واستفزز } معناه استخف واخدع حتى يقع في إرادتك ، تقول استفزني فلان في كذا إذا خدعك حتى تقع في أمر أراده ، ومن الخفة قيل لولد البقرة فز ومثله قول زهير :
كما استغاث بسيىء فز غيطلة . . . خاف العيون فلم ينظر به الحشك{[7624]}
و «الصوت » هنا : هو الغناء والمزامير والملاهي ، لأنها أصوات كلها مختصة بالمعاصي ، فهي مضافة إلى { الشيطان } ، قاله مجاهد ، وقيل معناه : بدعائك إياهم إلى طاعتك ، قال ابن عباس : صوته ، كل داع إلى معصية الله ، والصواب أن يكون الصوت يعم جميع ذلك . وقوله { وأجلب } أي هول ؛ والجلبة : الصوت الكثير المختلط الهائل ، وقرأ الحسن : «واجلُب » بوصل الألف وضم اللام . وقوله { بخيلك ورجلك } قيل هذا مجاز واستعارة ، بمعنى : اسع سعيك ، وابلغ جهدك ، وقيل معناه : أن له من الجن خيلاً ورجلاً ، قاله قتادة ، وقيل المراد : فرسان الناس ورجالتهم ، المتصرفون في الباطل ، فإنهم كلهم أعوان إبليس على غيرهم ، قاله مجاهد وقرأ الجمهور «ورجْلك » بسكون الجيم ، وهو جمع راجل ، كتاجر وتجر ، وصاحب وصحب ، وشارب وشرب ، وقرأ حفص عن عاصم : «ورجِلك » بكسر الجيم على وزن فعل ، وكذلك قرأ الحسن وأبو عمرو بخلاف عنه ، وهي صفة ؛ تقول فلان يمشي رجلاً ، غير راكب ، ومنه قول الشاعر : [ البسيط ]
أنا أقاتل عن ديني على فرسي . . . ولا كذا رجلاً إلا بأصحابي{[7625]}
وقرأ قتادة وعكرمة : «ورجالك » . { وشاركهم في الأموال } عام : لكل معصية يصنعها الناس بالمال ، فإن ذلك المصرف في المعصية ، هو خط إبليس ، فمن ذلك البحائر وشبهها ، ومن ذلك مهر البغي ، وثمن الخمر ، وحلوان الكاهن ، والربا ، وغير ذلك مما يوجد في الناس دأباً . وقوله { والأولاد } عام لكل ما يصنع في أمر الذرية من المعاصي فمن ذلك الإيلاد بالزنا ، ومن ذلك تسميتهم عبد شمس ، وعبد الجدي ، وأبا الكويفر ، وكل اسم مكروه ومن ذلك الوأد الذي كانت العرب تفعله ، ومن ذلك صنعهم في أديان الكفر ، وغير هذا ، وما أدخل النقاش من وطء الجن وأنه تحبل المرأة من الإنس فضعيف كله{[7626]} . وقوله { وعدهم } أي منّهم بما لا يتم لهم ، وبأنهم غير مبعوثين ، فهذه مشاركة في النفوس ، ثم أخبر الله تعالى أنه يعدهم { غروراً } منه ، لأنه لا يغني عنهم شيئاً .