الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ وَأَجۡلِبۡ عَلَيۡهِم بِخَيۡلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِ وَعِدۡهُمۡۚ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا} (64)

{ واستفزز } [ الإسراء : 64 ] معناه : استخف واخدع . وقوله : { بِصَوْتِكَ } : قيل : هو الغِنَاء والمزامير والمَلاَهي ، لأنها أصواتٌ كلُّها مختصة بالمعاصي ، فهي مضافةٌ إِلى الشيطانِ قاله مجاهد ، وقيل : بدعائك إِياهم إِلى طاعتك ، قال ابن عباس : صوته دعاءُ كُلِّ مَنْ دعا إِلى معصيةِ اللَّه ، والصوابُ أنْ يكون الصوتُ يعمُّ جميع ذلك . وقوله : { وَأَجْلِبْ } ، أي : هوِّل ، و«الجَلَبة » الصوتُ الكثير المختلِطُ الهائل . وقوله : { بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } قيل : هذا مجازٌ واستعارة بمعنى اسع سعيك ، وابلغ جهدك ، وقيل : حقيقة وإنَّ له خيلاً ورَجُلاً من الجنِّ ، قاله قتادة ، وقيل : المراد فرسان الناس ، ورجالتهم المتصرِّفون في الباطل ، فإِنهم كلهم أعوان لإِبليس على غيرهم قاله مجاهد .

{ وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال والأولاد } عامٌّ لكل معصية يصنعها الناس بالمال ، ولكلِّ ما يصنع في أمر الذرِّية من المعاصي ، كالإيلاد بالزنا وكتسميتهم عَبْدَ شَمْس ، وأبا الكُوَيْفِر ، وعَبْدَ الحارِثِ ، وكلَّ اسْمٍ مكروه ، ومن ذلك وأد البنات ومن ذلك : صبغهم في أديان الكفر ، وغير هذا ، وما أدخله النَّقَّاش من وطْء الجنِّ ، وأنه يُحْبِلُ المرأة من الإِنسِ ، فضعيفٌ كلُّه .

( ت ) : أما ما ذكره من الحبل ، فلا شك في ضَعْفه ، وفسادِ قولِ ناقله ، ولم أر في ذلك حديثاً لا صحيحاً ولا سقيماً ، ولو أمكن أنْ يكون الحَبَلُ من الجنِّ ، كما زعم ناقله ، لكان ذلك شُبْهَةً يدرأُ بها الحَدُّ عمَّن ظهر بها حَبَلٌ من النساء اللواتِي لا أزواج لهنَّ لاحتمال أنْ يكون حَبَلُها من الجنِّ كما زعم هذا القائلُ ، وهو باطلٌ ، وأما ما ذكره من الوطء ، فقد قيل ذلك وظواهر الأحاديث تدلُّ عليه .

وقد خرَّج البخاريُّ ومسلم وأبو داود والترمذيُّ والنسائي وابن ماجه ، عن ابن عبَّاس ، قال : قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ إِذَا أرَادَ أنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ : بِاسْمِ اللَّهِ ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ ، وجَنّب الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا ، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ في ذَلِكَ ، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبداً ) فظاهر قوله عليه السلام : ( اللَّهُمَّ ، جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبَ الشَّيْطَانَ مَا رَزقتنا ) يقتضي أنَّ لهذا اللعين مشاركةً مَّا في هذا الشأنِ .

وقد سمعتُ من شيخنا أبي الحسن عليِّ بن عِثمانَ الزَّواويِّ المَانْجَلاَتِيِّ سَيِّدِ علماء بِجَايَةَ في وقَتْه ، قال : حدَّثني بعضُ الناس ممَّن يوثَقُ به يخبر عن زوجته أنها تجدُ هذا الأمْرَ ، قال المخبِرُ : وأصْغَيْتُ إِلى ما أخبرت به الزوجَةُ ، فسمعتُ حِسَّ ذلك الشىءِ ، واللَّه أعلم .