بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ وَأَجۡلِبۡ عَلَيۡهِم بِخَيۡلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِ وَعِدۡهُمۡۚ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا} (64)

قوله { واستفزز } ، يقول استزلّ { مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } ؛ يقول : بدعائك ووسوستك ، ويقال : بأصوات الغناء والمزامير . { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } ، يعني : استعن عليهم بأعوانك من مردة الشياطين { وَرَجِلِكَ } ، يعني : الشياطين الذين يوسوسون للناس ، ويقال : خيل المشركين ورجالتهم ، وكل خيل تسعى في معصية الله تعالى ، فهي من خيل إبليس ؛ وكل راجل يمشي في معصية الله ، فهو من رجالته . قرأ عاصم في رواية حفص { وَرَجِلِكَ } بفتح الراء وكسر الجيم ، يعني : راجلك . فدل الواحد على الجنس ؛ وقرأ الباقون بجزم الجيم وهو جمع الراجل .

{ وَشَارِكْهُمْ فِى الأموال } ، أي ما أكل من الأموال بغير طاعة الله تعالى وما جمع من الحرام ؛ ويقال : { وَشَارِكْهُمْ فِى الأموال } وهو ما جعلوا من الحرث والأنعام نصيباً لآلهتهم ؛ ويقال : كل طعام لم يذكر اسم الله عليه فللشيطان فيه شركة . قال الفقيه رضي الله عنه حدّثنا الفقيه أبو جعفر قال : حدّثنا أحمد بن حنبل قال : حدّثنا سفيان بن يحيى قال : حدّثنا أبو مطيع ، عن الربيع بن زيد ، عن أبي محمد وهو رجل من أصحاب أنس قال : قال إبليس لربه : يا رب جعلت لبني آدم بيوتاً فما بيتي ؟ قال الحمام . قال : وجعلت لهم مجالس فما مجلسي ؟ قال : السوق . قال : وجعلت لهم قرآناً فما قرآني ؟ قال الشعر . قال : وجعلت لهم حديثاً فما حديثي ؟ قال : الكذب . قال : وجعلت لهم أذاناً فما أذاني ؟ قال : المزمار . قال : وجعلت لهم رسلاً فما رسلي ؟ قال : الكهنة . قال : وجعلت لهم كتاباً فما كتابي ؟ قال الوشم . قال : وجعلت لهم طعاماً فما طعامي ؟ قال : كل ما لم يذكر عليه اسم الله . قال : وجعلت لهم شراباً فما شرابي ؟ قال : كل مسكر .

قال وجعلت لهم مصايد فما مصايدي ؟ قال : النساء .

ثم قال : { وَشَارِكْهُمْ فِى الأموال } ، يعني : كل نفقة في معصية الله تعالى . { والأولاد } ، أي أولاد الزنى ، فهذا قول مجاهد وسعيد بن جبير ؛ ويقال : هو ما سموا أولادهم عبد العزى وعبد الحارث ؛ ويقال كل معصية بسبب الولد ؛ ويقال : إذا جامع الرجل أهله ولم يذكر اسم الله تعالى ، جامع معه الشيطان ؛ ويقال : المرأة النائحة والسكرانة يجامعها الشيطان ، فيكون له شركة في الولد . قال الفقيه أبو الليث : هذا الكلام مجاز لا على وجه الحقيقة ، إنما يراد به المثل . ثم قال : { وَعَدَّهُمْ } ، أي مَنِّهم أنه لا جنة ولا نار ولا بعث . { وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان إِلاَّ غُرُوراً } ، أي باطلاً .