محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ وَأَجۡلِبۡ عَلَيۡهِم بِخَيۡلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِ وَعِدۡهُمۡۚ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا} (64)

[ 64 ] { واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا 64 } .

{ واستفزز } أي استخف وأزعج { من استطعت منهم } أي أن تستفزه فتخدعه { بصوتك } أي بدعائك إلى الفساد . وعبر عن الدعاء بالصوت تحقيرا له حتى كأنه لا معنى له { وأجلب عليهم بخيلك ورجلك } أي صح عليهم . من الجلبة ( بفتحات ) وهي الصياح . و ( الخيل ) الخيالة أي ركبان الخيل مجازا . وأصل معنى الخيل الأفراس . و ( الرّجل ) اسم جمع للراجل وهو خلاف الفارس ، والمراد الأعوان والأتباع مطلقا .

قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى استفزاز إبليس بصوته وإجلابه بخيله ورجله ؟ قلت : هو كلام ورد مورود التمثيل ، مثلت حاله في تسلطه على من يغويه ، بمغوار بكسر الميم ، الكثير الغارة وهي الحرب والنهب أوقع على قوم فصوت بهم صوتا يستفزهم من أماكنهم ، ويقلقهم عن مراكزهم . وأجلب عليهم بجنده من خيالة حتى استأصلهم أي فالكلام استعارة تمثيلية مركبة . استعير فيه المجموع والهيئة للمجموع والهيئة . ووجهه ما ذكره من استئصالهم وإهلاكهم ، أو غلبته وتسخيره لهم . وجوز أن يكون التجوز في المفردات تجوزا بصوته عن دعائه إلى الشر بالوسوسة . وبخيله ورجله عن كل راكب وماش من أهل العيث / والفساد بإغوائه . { وشاركهم في الأموال } أي بحمله إياهم على إنفاقها في المعاصي وجمعها من حرام والتصرف فيها تحريما وتحليلا بما لا يرضي { والأولاد } أي بالتفاخر فيهم وتضليلهم بصبغهم غير صبغة الدين ، ووأدهم ونحو ذلك مما يعصى الله بسببه { وعدهم } أي المواعيد الباطلة والأمانيّ الكاذبة من سلامة العاقبة ودوام الغلبة { وما يعدهم الشيطان إلا غرورا } وهو تزيين الباطل بزينة الحق .