جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ وَأَجۡلِبۡ عَلَيۡهِم بِخَيۡلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِ وَعِدۡهُمۡۚ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا} (64)

{ وَاسْتَفْزِزْ } : استخف ، { مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ } : أن تستفزه ، { بِصَوْتِكَ{[2877]} } : بدعائك إلى معصية الله وعن ابن عباس كل داع دعا إلى معية الله فهو شيطان يصوته ، وقيل هو الغناء والمزامير ، { وَأَجْلِبْ } : صح ، { عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } الخيل الفرسان والرجل اسم جمع للراجل ، أي : صح عليهم بأعوانك من راكب راجل وهو كل راكب وماش في المعصية ، وعن قتادة أن له خيلا ورجالا من الجن والإنس ، قيل : هذا تمثيل لتسلطه بشخص كثير الغارة صوت على قوم فاستفزهم وأقلقهم عن أماكنهم وأجلب عليهم بجنده فاستأصلهم ، والمعنى تسلط عليهم بكل ما تقدر والمراد من الأمرين أمر القدري أو أمر تهديد ، { وَشَارِكْهُمْ{[2878]} فِي الأَمْوَالِ } كل ما أنفق في حرام أو جمع من حرام ، { وَالأَوْلادِ{[2879]} } ، ببعثهم على الزنا حتى يكون الولد منه وعلى قتلهم خشية إملاق وعلى تسميتهم بعبد الشمس ونحوه وغير ذلك ، { وَعِدْهُمْ } المواعيد{[2880]} الباطلة كشفاعة الآلهة وكرامة الآباء ، { وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا } والغرور تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب .


[2877]:و لا بعد أن المراد من استفزازه بصوته صفيره كصفير راعي الغنم حين يريد أن تسعى أو ترجع غنمه ومثل ما قلنا يكاشف أهل القلب / 12 وجيز.
[2878]:عن ابن عباس أن الشركة في الأولاد هي الموءودة وفي رواية أخرى عنه هو تسميتهم الأولاد عبد الحارث وعبد الشمس وعبد العزى وعبد الدار ونحوها هذا ما في المعالم، أقول أراد بقوله: نحوها كل اسم فيه نسبة العبد إلى غير الله تعالى مثل عبد الحارث وعبد النبي وعبد الرسول وغيرها وفيها من أعظم مقاصد الشيطان لما فيها من الشرك في التسمية كما مر في تفسير قوله "جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون" (الأعراف: 190)، قال في المدارك: معنى إشراكهم فيما آتاهما الله تسميتهم أولادهم بعبد العزى وعبد مناف وعبد شمس ونحو ذلك مكان عبد الله وعبد الرحمن وعبد الرحيم انتهى. وقال القاري في شرح المشكاة: ولا يجوز مثل عبد الحارث وعبد النبي ولا غيرهم مما شاع بين الناس انتهى، وقلا ابن حجر مكي في التحفة: ويحرم ملك الملوك؛ لأن ذلك ليس لغير الله تعالى وكذا عبد النبي والكعبة أو الدار أو العلي أو الحسين لإيهام التشريك انتهى، والأعلام كما يقصد بها المعني العلمية كذلك قد يلاحظ معها المعاني الأصلية بالتبعية كما صرح به لأهل المعاني وكان السم أبي بكر في الجاهلية عبد الكعبة واسم أبي هريرة عبد الشمس فغيرهما النبي صلى الله عليه وسلم وسماهما صديقا وعبد الرحمن، وقد قدمنا بعضا من هذا البحث في سورة الأعراف في قصة آدم وحواء فلا نعيده والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
[2879]:وعلى تسميتهم بمثل عبد الشمس وما مجسوه وما هودوه / 12 وجيز. [ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/348) وعزاه لابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس].
[2880]:المواعيد الباطلة كشفاعة الآلهة والاتكال على كرامة الآباء و تأخير التوبة بطول الأمل / 12 بيضاوي، وزاد في الكبير وإيثار العاجل على الآجل وبالجملة فهذه الأقسام كثيرة وكلها داخلة في الضبط الذي ذكرناه وإن أردت الاستقصاء فطالع ذم الغرور من كتاب إحياء علوم الدين للشيخ الغزالي حتى يحيط عقلك بمجامع تلبيس إبليس / 12.