البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ وَأَجۡلِبۡ عَلَيۡهِم بِخَيۡلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِ وَعِدۡهُمۡۚ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا} (64)

{ واستفزز } معطوف على فاذهب وعطف عليه ما بعده من الأمر وكلها بمعنى التهديد كقوله { اعملوا ما شئتم } ومن في { من استطعت } موصولة مفعولة باستفزز .

وقال أبو البقاء : { من استطعت } من استفهام في موضع نصب باستطعت ، وهذا ليس بظاهر لأن { استفزز } ومفعول { استطعت } محذوف تقديره { من استطعت } أن تستفزه والصوت هنا الدعاء إلى معصية الله .

وقال مجاهد : الغناء والمزامير واللهو .

وقال الضحاك : صوت المزمار وذكر الغزنوي أن آدم أسكن ولد هابيل أعلى الجبل وولد قابيل أسفله .

وفيهم بنات حسان ، فزمر الشيطان فلم يتمالكوا أن انحدروا واقترنوا .

وقيل : الصوت هنا الوسوسة .

وقرأ الحسن { واجلب عليهم } بوصل الألف وضم اللام من جلب ثلاثياً ، والظاهر أن إبليس له خيل ورجالة من الجن جنسه قاله قتادة ، والخيل تطلق على الأفراس حقيقة وعلى أصحابها مجازاً وهم الفرسان ، ومنه : يا خيل الله اركبي ، والباء في { بخيلك } قيل زائدة .

وقيل : من الآدميين أضيفوا إليه لانخراطهم في طاعته وكونهم أعوانهم على غيرهم قاله مجاهد .

وقال ابن عطية : وقوله { بخيلك ورجلك } .

وقيل : هذا مجاز واستعارة بمعنى اسع سعيك وابلغ جهدك انتهى .

وقال أبو علي ليس للشيطان خيل ولا رجل ولا هو مأمور إنما هذا زجر واستخفاف به كما تقول لمن تهدده اذهب فاصنع ما شئت واستعن بما شئت .

وقال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى استفزاز إبليس بصوته وإجلابه بخيله ورجله ؟ قلت : هو كلام وارد مورد التمثيل مثلت حاله في تسلطه على من يغويه بمغوار أوقع على قوم فصوت بهم صوتاً يستفزهم من أماكنهم ويقلقهم عن مراكزهم ، واجلب عليهم بجنده من خيالة ورجالة حتى استأصلهم انتهى .

وقرأ الجمهور : { ورجلك } بفتح الراء وسكون الجيم وهو اسم جمع واحده راجل كركب وراكب ، وقرأ الحسن وأبو عمرو في رواية وحفص بكسر الجيم .

قال صاحب اللوامح بمعنى الرجال .

وقال ابن عطية هي صفة يقال فلان يمشي رَجِلاً أي غير راكب ومنه قول الشاعر :

رجلاً إلاّ بأصحاب . . .

وقال الزمخشري : وقرئ { ورجلك } على أن فعلاً بمعنى فاعل نحو تعب وتاعب ، ومعناه وجمعك الرجل وتضم جيمه أيضاً فيكون مثل حدث وحدثُ وندس وندس وأخوات لهما انتهى .

وقرأ قتادة وعكرمة ورجالك .

وقرئ : ورجل لك بضم الراء وتشديد الجيم والمشاركة في الأموال .

قال الضحاك : ما يذبحون لآلهتهم وقتادة البحيرة والسائبة .

وقيل : ما أصيب من مال وحرام .

وقيل : ما جعلوه من أموالهم لغير الله .

وقيل : ما صرف في الزنا والأولى ما أخذ من غير حقه وما وضع في غير حقه والمشاركة في الأولاد .

قال ابن عباس : تسميتهم عبد العزّى وعبد اللات وعبد الشمس وعبد الحارث ، وعنه أيضاً ترغيبهم في الأديان الباطلة كاليهودية والنصرانية .

وعنه أيضاً إقدامهم على قتل الأولاد قال الحسن وقتادة .

ما مجّسوه وهوّدوه ونصروه وصبغوهم غير صبغة الإسلام .

وقال مجاهد : عدم التسمية عند الجماع فالجان ينطوي إذ ذاك على إحليله فيجامع معه .

وقيل ترغيبهم في القتال والقتل وحفظ الشعر المشتمل على الفحش ، والأولى أنه كل تصرّف في الولد يؤدي إلى ارتكاب منكر وقبيح ، وأما وعده فهو الوعد الكاذب كوعدهم أن لا بعث وهذه مشاركة في النفوس .

وقال الزمخشري : { وعدهم } المواعيد الكاذبة من شفاعة الآلهة والكرامة على الله بالأنساب الشريفة ، وتسويف التوبة ومغفرة الذنوب بدونها ، والاتكال على الرحمة وشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الكبائر والخروج من النار بعد أن يصيروا حميماً ، وإيثار العاجل على الآجل انتهى .

وهو جار على مذهب المعتزلة في أنه لا تغفر الذنوب بدون التوبة ، وبأنه لا شفاعة في الكبائر ، وبأنه لا يخرج من النار أبداً من دخلها من فاسق مؤمن .

وانتصب { غروراً } وهو مصدر على أنه وصف لمصدر محذوف أي وعداً غروراً على الوجوه التي في رجل صوم ، ويحتمل أن يكون مفعولاً من أجله أي { وما يعدكم } ويمنيكم ما لا يتم ولا يقع إلاّ لأن يغركم ،