نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ وَأَجۡلِبۡ عَلَيۡهِم بِخَيۡلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِ وَعِدۡهُمۡۚ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا} (64)

ولما بدأ سبحانه بالوعيد لطفاً بالمكلفين ، عطف على " اذهب " قوله ممثلاً حاله في تسلطه على من يغويه بمغوار أوقع بقوم فصوت بهم صوتاً يستفزهم من أماكنهم ، ويقلعهم عن مراكزهم ، وأجلب عليهم بجنده من خيالة ورجالة حتى استأصلهم : { واستفزز } أي استخف ، والفز أصله القطع ، أي استزله بقطعه عن الصواب - قاله الرماني { من استطعت منهم } وهم الذين سلطناك عليهم { بصوتك } أي دعائك بالغنى والمزامير وكل ما تزينه بالوساس { وأجلب } أي اجمع أو سق بغاية ما يمكنك من الصياح { عليهم بخيلك } أي ركبان جندك { ورجلك } أي ومشاتهم ؛ والمعنى : افعل جميع ما تقدر عليه ، ولا تدع شيئاً من قوتك ، فإنك لا تقدر على شيء لم أقدره لك .

ولما كان الشيطان طالباً شركة الناس في جميع أمورهم بوساوسه الحاملة لهم على إفسادها ، فإن أطاعوه كانوا طالبين لأن يشركوه وإن كانوا لا شعور لهم بذلك ، عبر بصيغة المفاعلة فقال تعالى : { وشاركهم } أي بوثوبك على مخالطتهم عند ما يشاركونك بفعل ما يوافق هواك { في الأموال } أي التي يسعون في تحصيلها { والأولاد } أي التي ينسلونها ، إن اقتنوها بوجه محرم أو لم يذكروا اسمي عليها ، وكذا قرابينهم لغير الله وإنفاقهم في المحرمات وتعليمهم أولادهم المعاصي والكفر مشاركة فيها { وعدهم } من المواعيد الباطلة ما يستخفهم ويغرهم من شفاعة الآلهة والكرامة على الله تعالى وتسويف التوبة - ونحو ذلك ؛ ثم التفت إلى الصالحين من عباده فأخبرهم تثبيتاً لهم وتنبيهاً لغيرهم على أنه ليس بيده شيء ، فقال تعالى مظهراً لضميره بما يدل على تحقيره ، تقبيحاً لأمره وتنفيراً منه : { وما يعدهم الشيطان } أي المحترق المطرود باللعنة ، من عدم البعث وطول الأجل وشفاعة الآلهة ونحو ذلك { إلا غروراً * } والغرور : تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب ،