ثم عظم نفسه فقال : { ألا إن لله ما في السموات والأرض } ملكاً وعبيداً ، { قد يعلم ما أنتم عليه } من الإيمان والنفاق . أي : يعلم " وقد " صلة { ويوم يرجعون إليه } يعني : يوم البعث ، { فينبئهم بما عملوا } من الخير والشر ، { والله بكل شيء عليم } .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه ، حدثنا عبد الله بن محمد بن شيبة ، حدثنا محمد بن إبراهيم الكرابيسي ، حدثنا سليمان بن توبة أبو داود الأنصاري ، أنبأنا محمد بن إبراهيم الشامي ، حدثنا شعيب بن إسحاق ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تنزلوا النساء الغرف ، ولا تعلموهن الكتابة ، وعلموهن الغزل ، وسورة النور " .
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله : { ألا إِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض } .
أى : له - سبحانه - ما فى السموات والأرض من موجودات خَلقا ومُلكا وتصرفا وإيجاداً { قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ } ايها المكلفون من طاعة أو معصية ، ومن استجابة لأمره أو عدم استجابة .
{ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ } أى : ويعلم - سبحانه - أحوال خلقه جميعا يوم يرجعون إليه يوم القيامة . فيجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب .
{ والله } - تعالى - { بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمُ } بحيث لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء .
( ألا إن لله ما في السماوات والأرض . قد يعلم ما أنتم عليه ؛ ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا . والله بكل شيء عليم ) . .
وهكذا تختم السورة بتعليق القلوب والأبصار بالله ؛ وتذكيرها بخشيته وتقواه . فهذا هو الضمان الأخير . وهذا هو الحارس لتلك الأوامر والنواهي ، وهذه الأخلاق والآداب ، التي فرضها الله في هذه السورة وجعلها كلها سواء . .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَلآ إِنّ للّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمُ } .
يقول تعالى ذكره : ألاَ إنّ لله مُلْكُ جميع السّمَوَاتِ والأَرْضِ يقول : فلا ينبغي لمملوك أن يخالف أمر مالكه فيعصيَه ، فيستوجب بذلك عقوبته . يقول : فكذلك أنتم أيها الناس ، لا يصلح لكم خلاف ربكم الذي هو مالككم ، فأطيعوه وأتَمروا لأمره ولا تنصرفوا عن رسوله إذا كنتم معه على أمر جامع إلا بإذنه .
وقوله : قَدْ يَعْلَمُ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ من طاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم من ذلك ، كما :
حدثني أيضا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : قَدْ يَعْلَمُ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ صنيعكم هذا أيضا .
وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إلَيْهِ يقول : ويوم يَرْجع إلى الله الذين يخالفون عن أمره . فيُنَبّئُهُم يقول : فيخبرهم حينئذٍ ، بِمَا عَمِلُوا في الدنيا ، ثم يجازيهم على ما أسلفوا فيها ، من خلافهم على ربهم . وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يقول : والله ذو علم بكل شيء عملتموه أنتم وهم وغيركم وغيرك ذلك من الأمور ، لا يخفي عليه شيء ، بل هو محيط بذلك كله ، وهو مُوَفَ كلّ عامل منكم أجر عمله يوم ترجعون إليه .
{ ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه } أيها المكلفون من المخالفة والموافقة والنفاق والإخلاص ، وإنما أكد علمه ب{ قد } لتأكيد الوعيد . { ويوم يرجعون إليه } يوم يرجع المنافقون إليه للجزاء ، ويجوز أن يكون الخطاب أيضا مخصوصا بهم على طريق الالتفات ، وقرأ يعقوب بفتح الياء وكسر الجيم . { فينبئهم بما عملوا } من سوء الأعمال بالتوبيخ والمجازاة عليه . { والله بكل شيء عليم } لا يخفى عليه خافية .
ثم أخبرهم أنه قد علم ما أهل الأرض والسماء عليه وخص منهم بالذكر المخاطبين لأن ذلك موضع الحجة عليهم وهم به أعني وقوله : { ويوم يرجعون } يجوز أن يكون معمولاً لقوله { يعلم } ويجوز أن يكون التقدير والعلم الظاهر لكم أو نحو هذا يوم فيكون النصب على الظرف ، وقرأ الجمهور «يُرجَعون » بضم الياء وفتح الجيم ، وقرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق وأبو عمر «يَرجِعون » بفتح الياء وكسر الجيم ، وقال عقبة بن عامر الجهني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية خاتمة النور فقال «والله بكل شيء بصير »{[8775]} وباقي الآية بين .
ث تذييل لما تقدم في هذه السورة كلها . وافتتاحه بحرف التنبيه إيذان بانتهاء الكلام وتنبيه للناس ليعُوا ما يرد بعد حرف التنبيه ، وهو أن الله مالك ما في السماوات والأرض ، فهو يجازي عباده بما يستحقون وهو عالم بما يفعلون .
ومعنى : { ما أنتم عليه } الأحوال الملابسين لها من خير وشر ، فحرف الاستعلاء مستعار للتمكن .
وذكَّرهم بالمعاد إذ كان المشركون والمنافقون منكرينه .
وقوله : { فينبئهم بما عملوا } كناية عن الجزاء لأن إعلامهم بأعمالهم لو لم يكن كناية عن الجزاء لما كانت له جدوى .
وقوله : { والله بكل شيء عليم } تذييل لجملة : { قد يعلم ما أنتم عليه } لأنه أعم منه .
وفي هذه الآية لطيفة الاطلاع على أحوالهم لأنهم كانوا يسترون نفاقهم .