نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قَدۡ يَعۡلَمُ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ وَيَوۡمَ يُرۡجَعُونَ إِلَيۡهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ} (64)

ولما أقام سبحانه الأدلة على أنه نور السماوات والأرض بأنه لا قيام لشيء إلا به سبحانه ، وختم بالتحذير لكل مخالف ، أنتج ذلك أن له كل شيء فقال : { ألا إن لله } اي الذي له جميع المجد جميع { ما في السماوات } ولثبوت أنه سبحانه محيط العلم والقدرة ، لم يقتض المقام التأكيد بإعادة الموصول فقال : { والأرض } أي من جوهر وعرض ، وهما له أيضاً لأن الأرض في السماء ، وكل سماء في التي فوقها حتى ينتهي ذلك إلى العرش الذي صرح في غير آية أنه صاحبه ، وهو سماء أيضاً لعلوه عما دونه ، فكل ما فيه له ، وذلك أبلغ - لدلالته بطريق المجاز - مما لو صرح به ، فدل ذلك - بعد الدلالة على وجوده - على وحدانيته ، وكمال علمه وقدرته .

ولما كانت أحوالهم من جملة ما له ، كان من المعلوم أنها لم تقم في أصلها ولا بقاء لها إلا بعلمه ولأنها بخلقه ، فلذلك قال محققاً مؤكداً مرهباً : { قد يعلم ما أنتم } أيها الناس كلكم { عليه } أي الآن ، والمراد بالمضارع هنا وجود الوصف من غير نظر إلى زمان ، ولو عبر بالماضي لتوهم الاختصاص به ، والكلام في إدخال " قد " عليه كما مضى آنفاً باعتبار أولي النفوذ في البصر ، وأهل الكلال والكدر { ويوم } أي ويعلم ما هم عليه يوم { يرجعون } أي بقهر قاهر لهم على ذلك ، لا يقدرون له على دفاع ، ولا نوع امتناع { إليه } وكان الأصل : ما أنتم عليه ، ولكنه أعرض عنهم تهويلاً للأمر ، أو يكون ذلك خاصاً بالمتولين المعرضين إشارة إلى أنهم يناقشون الحساب ، ويكون سر الالتفاف التنبيه على الإعراض عن المكذب بالقيامة ، والإقبال على المصدق ، صوناً لنفيس الكلام ، عن الجفاة الأغبياء اللئام { فينبئهم } أي فيتسبب عن ذلك أنه يخبرهم تخبيراً عظيماً { بما عملوا } فليعدوا لكل شيء منه جواباً { والله } أي الذي له الإحاطة الكاملة { بكل شيء } من ذلك وغيره { عليم* } فلذلك أنزل الآيات البينات ، وكان نور الأرض والسماوات ، فقد رد الختام على المبدأ ، والتحم الآخر بالأول والأثنا - والله الهادي .