الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قَدۡ يَعۡلَمُ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ وَيَوۡمَ يُرۡجَعُونَ إِلَيۡهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ} (64)

قوله : { قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ } : قال : الزمخشري : " أَدْخَلَ " قد " ليؤكِّد عِلْمَه بما هم عليه من المخالفةِ عن الدينِ والنفاق ، ويرجع توكيدُ العلمِ إلى توكيدِ الوعيدِ : وذلك أنَّ " قد " إذا دَخَلَتْ على المضارعِ كانت بمعنى " رُبَّما " فوافَقَتْ " رُبَّما " في خروجِها إلى معنى التكثير في نحو قوله :

فإنْ تُمْسِ مهجورَ الفِناءِ فرُبَّما *** أقامَ به بعدَ الوُفودِ وُفودُ

ونحوٌ من ذلك قولُ زهير :

أَخي ثقةٍ لا تُهْلِكُ الخمرُ مالَه *** ولكنَّه قد يُهْلِكُ المالَ نائِلُهْ

قال الشيخ : " وكونُ " قد " إذا دَخَلَت على المضارعِ أفادَتِ التكثير قولٌ لبعضِ النحاةِ . وليس بصحيحٍ ، وإنما التكثيرُ مفهومٌ من السِّياق . والصحيحُ : أنَّ " رُبَّ " للتقليلِ للشيءِ ، أو لتقليلِ نظيرِه . وإنْ فُهِم تكثيرٌ فمِنْ السِّياقِ لا منها " .

{ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ } في " يوم " وجهان أحدُهما : أنه مفعولٌ به لا ظرفٌ لعطفِه على قولِه : { مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ } أي : يعلمُ الذي أنتم عليه مِنْ جميعِ أحوالِكم ، ويَعْلَمُ يومَ يُرْجَعُون كقولِه : { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } { لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } . والثاني : أنه ظرفٌ لشيءٍ محذوف . قال ابن عطية : " ويجوزُ أَنْ يكونَ التقديرُ : والعلمُ الظاهرُ لكم أو نحو هذا يومَ ، فيكونُ النصبُ على الظرفِ " انتهى .

وقرأ العامَّةُ " يُرْجَعون " مبنياً للمفعول . وأبو عمرو في آخرين مبنياً للفاعلِ . وعلى كلتا القراءتين فيجوزُ وجهان ، أحدهما : أَنْ يكونَ في الكلامِ التفاتٌ من الخطابِ في قولِه : { مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ } إلى الغَيْبة في قوله : " يُرْجَعون " . والثاني : أنَّ " ما أنتم عليه " خطابٌ عامٌّ لكلِّ أحدٍ . والضميرُ في " يُرْجَعُون " للمنافقين خاصةً ، فلا التفاتَ حينئذٍ .