المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسۡتَيۡـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ جَآءَهُمۡ نَصۡرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُۖ وَلَا يُرَدُّ بَأۡسُنَا عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (110)

110- ولا تستبطئ يا محمد نصري ، فإن نصري قريب أكيد ، وقد أرسلنا من قبلك رسلا فاقتضت حكمتنا أن يتراخى عنهم نصرنا ، ويتطاول عليهم التكذيب من قومهم ، حتى إذا زلزلت نفوس واستشعرت القنوط أدركهم نصرنا ، فأنعمنا بالنجاة والسلامة على الذين يستأهلون منا إرادة النجاة وهم المؤمنون ، وأدرنا دائرة السوء على الذين أجرموا بالعناد وأصروا على الشرك ، ولا يدفع عذابنا وبطشنا دافع عن القوم المجرمين .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسۡتَيۡـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ جَآءَهُمۡ نَصۡرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُۖ وَلَا يُرَدُّ بَأۡسُنَا عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (110)

قوله تعالى : { حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا } ، اختلف القراء في قوله : { كذبوا } : وقرأ أهل الكوفة وأبو جعفر : كذبوا بالتخفيف وكانت عائشة تنكر هذه القراءة . وقرأ الآخرون بالتشديد . فمن شدده قال : معناه حتى استيأس الرسل من إيمان قومهم . { وظنوا } أي : أيقنوا -يعني الرسل- أن الأمم قد كذبوهم تكذيبا لا يرجى بعد إيمانهم . والظن بمعنى اليقين : وهذا معنى قول قتادة . وقال بعضهم : معناه : حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم أن يصدقوهم ، وظنوا أن من آمن بهم من قومهم قد كذبوهم ، وارتدوا عن دينهم ، لشدة المحنة والبلاء عليهم واستبطاء النصر . ومن قرأ بالتخفيف قال : معناه : حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وظنوا أي : ظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم في وعيد العذاب . وروي عن ابن عباس : معناه ضعف قلوب الرسل ، يعني : وظنت الرسل أنهم كذبوا فيما وعدوا من النصر . وكانوا بشرا فضعفوا ويئسوا وظنوا أنهم أخلفوا ، ثم تلا : { حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله } [ البقرة-214 ] أي : جاء الرسل نصرنا .

قوله تعالى : { فنجي من نشاء } ، قرأ العامة بنونين ، أي : نحن ننجي من نشاء . وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم ويعقوب بنون واحدة مضمومة وتشديد الجيم وفتح الياء على ما لم يسم فاعله لأنها مكتوبة في المصحف بنون واحدة ، فيكون محل " من " رفعا ، على هذه القراءة . وعلى القراءة الأولى يكون نصبا ، فنجي من نشاء عن نزول العذاب ، وهم المؤمنون المطيعون ، { ولا يرد بأسنا } عذابنا { عن القوم المجرمين } يعني المشركين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسۡتَيۡـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ جَآءَهُمۡ نَصۡرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُۖ وَلَا يُرَدُّ بَأۡسُنَا عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (110)

ثم حكى - سبحانه - سنة من سننه التي لا تتخلف ولا تتبدل فقال : { حتى إِذَا استيأس الرسل وظنوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا . . . }

وفى قوله { قَدْ كُذِبُواْ } وردت قراءتان سبعيتان إحداهما بتشديد الذال والثانية بالتخفيف .

وعلى القراءتين فالغاية في قوله - تعالى - { حتى إِذَا استيأس الرسل } غاية لكلام محذوف دل عليه السياق .

والمعنى على القراءة التي بالتشديد . لقد أرسلنا رسلنا لهداية الناس ، فأعرض الكثيرون منهم عن دعوتهم ، ووقفوا منهم موقف المنكر والمعاند والمحارب لهدايتهم ، وضاق الرسل ذرعاً بموقف هؤلاء الجاحدين ، حتى إذا استيأس الرسل الكرام من إيمان هؤلاء الجاحدين ، وظنوا - أى الرسل - أن أقوامهم الجاحدين قد كذبوهم في كل ما جاءوهم به لكثرة إعراضهم عنهم ، وإيذائهم لهم .

. . أى : حتى إذا ما وصل الرسل إلى هذا الحد من ضيقهم بأقوامهم الجاحدين جاءهم نصرنا الذي لا يتخلف .

والمعنى على القراءة الثانية التي هي بالتخفيف : حتى إذا يئس الرسل من إيمان أقوامهم يأساً شديداً ، وظن هؤلاء الأقوم أن الرسل قد كذبوا عليهم فيما جاءوهم به ، وفيما هددوهم به من عذاب إذا ما استمروا على كفرهم . .

حتى إذا ما وصل الأمر بالرسل وبالأقوام إلى هذا الحد ، جاء نصرنا الذي لا يتخلف إلى هؤلاء الرسل ، فضلاً منا وكرماً . . .

فالضمير في قوله { كُذِّبواْ } بالتشديد يعود على الرسل ، أما على قراءة التخفيف { كُذِبوا } فيعود إلى الأقوام الجاحدين .

ومنهم من جعل الضمير - أيضاً - على قراءة { كذبوا } بالتخفيف يعود على الرسل ، فيكون المعنى : حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم ، وظنوا - أى الرسل - أن نفوسهم قد كذبت عليهم في تحديد موعد انتصارهم على أعدائهم لأن البلاء قد طال . والنصر قد تأخر . . جاءهم - أى الرسل - نصرنا الذي لا يتخلف .

قال الشيخ القاسمى في بيان هذا المعنى : قال الحكيم الترمذى : ووجهه - أى هذا القول السابق - أن الرسل كانت تخاف بعد أن وعدهم الله النصر ، أن يتخلف النصر ، لا عن تهمة بوعد الله ، بل عن تهمة لنفوسهم أن تكون قد أحدثت حدثاً ينقض ذلك الشرط ، فكان النصر إذا طال انتظاره واشتد البلاء عليهم ، دخلهم الظن من هذه الجهة .

وهذا يدل على شدة محاسبة الرسل - عليهم الصلاة والسلام - لنفوسهم ، وحسن صلتهم بخالقهم - عز وجل - .

وقوله - سبحانه - { فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القوم المجرمين } معطوف على ما قبله ، ومتفرع عليه .

أى : جاءهمنصرنا الذي وعدناهم به ، بأن أنزلنا العذاب على أعدائهم ، فنجا من نشاء إنجاءه وهم المؤمنون بالرسل ، ولا يرد بأسنا وعذابنا عن القوم المجرمين عند نزوله بهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسۡتَيۡـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ جَآءَهُمۡ نَصۡرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُۖ وَلَا يُرَدُّ بَأۡسُنَا عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (110)

القول في تأويل قوله تعالى : { حَتّىَ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوَاْ أَنّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجّيَ مَن نّشَآءُ وَلاَ يُرَدّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً يوحي إليهم من أهل القُرى ، فدعوا من أرسلنا إليهم ، فكذّبوهم ، وردّوا ما أتوا به من عند الله ، حتى إذا استيأس الرسل الذين أرسلناهم إليهم منهم أن يؤمنوا بالله ، ويصدّقوهم فيما أتوهم به من عند الله ، وظنّ الذين أرسلناهم إليهم من الأمم المكذّبة أن الرسل الذين أرسلناهم ، قدكذبوهم فيما كانوا أخبروهم عن الله من وعده إياهم نصرهم عليهم ، جاءهم نصرنا . وذلك قول جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو السائب سلم بن جنادة ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس ، في قوله : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَد كُذِبُوا قال : لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم ، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم ، جاءهم النصر على ذلك ، فننجي من نشاء .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، قال : حدثنا الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس بنحوه ، غير أنه قال في حديثه ، قال : أيست الرسل ، ولم يقل : لما أيست .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ أن يسلم قومهم ، وظنّ قوم الرسل أن الرسل قد كذَبوا جاءهم نصرنا .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أَنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم ، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذَبوا ، جاءَهُمْ نَصْرُنا .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن حصين ، عن عمران السلمي ، عن ابن عباس : حتى إذَا اسْتَيأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا أيس الرسل من قومهم أن يصدّقوهم ، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبتهم .

حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : حدثنا جرير ، عن حصين ، عن عمرا بن الحرث السلمي ، عن عبد الله بن عباس ، في قوله : حتى إذَا اسْتَيأَسَ الرّسُلُ قال : استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم وَظَنّوا أنّهُمْ قَد كُذِبُوا قال : ظنّ قومهم أنهم جاءوهم بالكذب .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت حصينا ، عن عمران بن الحرث ، عن ابن عباس : حَتَى إذَا اسْتَيأَسَ الرّسُلُ من أن يستجيب لهم قومهم ، وظنّ قومهم أن قد كذبوهم ، جاءَهُمْ نَصْرُنا .

حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس ، قال : حدثنا عبثر ، قال : حدثنا حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس ، في هذه الآية : حَتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ قال : استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا ، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم فيما وعدوا وكذبوا ، جاءَهُمْ نَصْرُنا .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن حصين ، عن عمران بن الحرث ، عن ابن عباس ، قال : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ من نصر قومهم وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ظنّ قومهم أنهم قد كذبوهم .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن الصباح ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عمران بن الحرث ، عن ابن عباس ، في قوله : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ قال : من قومهم أن يؤمنوا بهم ، وأن يستجيبوا لهم ، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم جاءَهُمْ نَصْرُنا يعني الرسل .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن حصين ، عن عمران بن الحرث ، عن ابن عباس بمثله سواء .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاببن عطاء ، عن هارون ، عن عباد القرشي ، عن عبد الرحمن بن معاوية ، عن ابن عباس : وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا خفيفة ، وتأويلها عنده ، وظنّ القوم أن الرسل قد كَذَبوا .

حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا طلق بن غنام ، عن زائدة ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس ، قال : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ من قومهم أن يصدّقوهم ، وظنّ قومهم أن قد كذبتهم رسلهم ، جاءَهُمْ نَصْرُنا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا يعني : أيس الرسل من أن يتبعهم قومهم ، وظنّ قومهم أن الرسل قد كَذَبوا ، فينصر الله الرسل ، ويبعث العذاب .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يطيعوهم ويتبعوهم ، وظنّ قومهم أن رسلهم كذبوهم جاءهم نصرنا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن حصين ، عن عمران بن الحرث ، عن ابن عباس : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ من قومهم وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال : فما أبطأ عليهم لا من ظنّ أنهم قد كذَبوا .

قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرنا حصين بن عبد الرحمن ، عن عمران بن الحرث قال : سمعت ابن عباس يقول : وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا خفيفة . وقال ابن عباس : ظنّ القوم أن الرسل قد كذبوهم خفيفة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : حتى إذَا استْيْأَسَ الرّسُلُ من قومهم ، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم .

قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن خصيف ، قال : سألت سعيد بن جبير ، عن قوله : حتى إذا استْيَأَس الرّسُلُ من قومهم ، وظنّ الكفار أنهم هم كُذِبوا .

حدثني يعقوب والحسن بن محمد ، قالا : حدثنا إسماعيل بن علية . قال : حدثنا كلثوم بن جبر ، عن سعيد ابن جبير ، قوله : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ من قومهم أن يؤمنوا ، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبتهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عارم أبو النعمان ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا شعيب ، قال : ثني إبراهيم بن أبي حرّة الجزري ، قال : سأل فتى من قريش سعيد بن جبير ، فقال له : يا أبا عبد الله كيف تقرأ هذا الحرف فإني إذا أتيت عليه تمنيت أن لا أقرأ هذه السورة حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ؟ قال : نعم ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدّقوهم ، وظنّ المرسل إليهم أن الرسل كذبوا . قال : فقال الضحاك بن مزاحم : ما رأيت كاليوم قط رجلاً يدعى إلى علم فيتلكأ ، لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلاً .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم ، قال : ثني أبي ، أن مسلم بن يسار ، سأل سعيد بن جبير فقال : يا أبا عبد الله ، آية بلغت مني كل مبلغ : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أنّهمْ قَدْ كُذِبُوا فهذا الموتُ ، أن تظنّ الرسل أنهم قد كُذِبوا ، أو نظنّ أنهم قد كَذَبوا مخففة ؟ قال : فقال سعيد بن جبير : يا أبا عبد الرحمن ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم ، وظنّ قومهم أن الرسل كذبتهم جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجّيَ مَنْ نَشاءُ ، وَلا يُرَدّ بأْسُنا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ . قال : فقال مسلم إلى سعيد ، فاعتنقه وقال : فرّج الله عنك كما فرّجت عني .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا يحيى بن عباد ، قال : حدثنا وهيب ، قال : حدثنا أبو المعلى العطار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال : استيأس الرسل من إيمان قومهم وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم ، ما كانوا يخبرونهم ويبلغونهم .

قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ أن يصدّقهم قومهم ، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوا ، جاء الرسل نصرنا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى . قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في هذه الآية : حتى إذَا استْيَأَسَ الرّسُلُ من قومهم . وظن قومهم أن الرسل قد كذبت .

قال : حدثنا حماد ، عن كلثوم بن جبر ، قال : قال لي سعيد بن جبير : سألني سعيد من ساداتكم عن هذه الآية . فقلت : استيأس الرسل من قومهم ، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبت .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال : استيأس الرسل أن يؤمن قومهم بهم ، وظنّ قومهم المشركون أن الرسل قد كُذِبوا ما وعدهم الله من نصره إياهم عليهم وأُخلِفوا . وقرأ : جاءَهُمْ نَصْرُنا قال : جاء الرسل النصر حينئذٍ ، قال : وكان أبّي يقرؤها : «كُذِبُوا » .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد ، عن أبي المتوكل ، عن أيوب ابن أبي صفوان ، عن عبد الله بن الحرث ، أنه قال : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ من إيمان قومهم وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا وظن القوم أنهم قد كذبوهم فيما جاءوهم به .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : ظنّ قومهم أن رسلهم قد كذبوهم فيما وعدوهم به .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن جحش بن زياد الضبي ، عن تميم ابن حذلم ، قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الآية : «حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كَذَبُوا » قال : استيأس الرسل من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم ، وظنّ قومهم حين أبطأ الأمر أنه قد كَذَبُوا بالتخفيف .

حدثنا أبو المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي المعلى ، عن سعيد بن جبير ، فيقوله : حتى إذَا اسْتَيأَسَ الرّسُل قال : استيأس الرسل من نصر قومهم ، وظنّ قوم الرسل أن الرسل قد كَذَبوهم .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ أن يصدّقوهم ، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم .

قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ أن يصدّقهم قومهم ، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك في قوله : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ يقول : استيأسوا من قومهم أن يجيبوهم ، ويؤمنوا بهم ، وظنوا : يقول : وظنّ قوم الرسل أن الرسل قد كذبوهم الموعد .

والقراءة على هذا التأويل الذي ذكرنا في قوله : كُذِبُوا بضم الكاف وتخفيف الذال ، وذلك أيضا قراءة بعض قرّاء أهل المدينة وعامّة قرّاء أهل الكوفة .

وإنما اخترنا هذا التأويل وهذه القراءة ، لأن ذلك عقيب قوله : وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَيْهِمْ مِنْ أهْل القُرَى أفَلَم يَسِيرُوا في الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فكان ذلك دليلاً على أن إياس الرسل كان من إيمان قومهم الذين أهلكوا ، وأن المضمر في قوله : وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا إنما هو من ذكر الذين من قبلهم من الأمم الهالكة ، وزاد ذلك وضوحا أيضا إتباع الله في سياق الخبر عن الرسل وأممهم قوله : فَنُجّيَ مَنْ نَشاءُ إذ الذين أهلكوا هم الذين ظنوا أن الرسل قد كذبتم ، فكَذّبُوهم ظنّا منهم أنهم قد كَذَبُوهم .

وقد ذهب قوم ممن قرأ هذه القراءة إلى غير التأويل الذي اخترنا ، ووجهوا معناه إلى : حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم ، وظنت الرسل أنهم قد كذبوا فيما وعدوا من النصر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، قال : حدثنا ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، قال : قرأ ابن عباس : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال : كانوا بشرا ضعفوا ويئسوا .

قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، قرأ : وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا خفيفة . قال ابن جريج : أقول كما يقول : أخلفوا . قال عبد الله : قال لي ابن عباس : كانوا بشرا ، وتلا ابن عباس : حتى يَقُولَ الرّسُولُ والّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللّهِ ألا إنّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ . قال ابن جريج : قال ابن أبي مليكة : ذهب بها إلى أنهم ضعفوا فظنوا أنهم أخلفوا .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق عن عبد الله ، أنه قرأ : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا مخففة ، قال عبد الله : هو الذي تكره .

قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا سفيان ، عن سليمان ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، أن رجلا سأل عبد الله بن مسعود : حَتى إذا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال : هو الذي تكره ، مخففة .

قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، أنه قال في هذه الآية : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قلت : كُذِبُوا ؟ قال : نعم ألم يكونوا بشرا .

حدثنا الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال : كانوا بشرا قد ظنوا .

وهذا تأويلٌ وقولٌ ، غيره من أهل التأويل أولى عندي بالصواب ، وخلافه من القول أشبه بصفات الأنبياء والرسل ، إن جاز أن يرتابوا بوعد الله إياهم ويشكوا في حقيقة خبره مع معاينتهم من حجج الله وأدلته ما لا يعاينه المرسَل إليهم ، فيعذروا في ذلك أن المرسل إليهم لأولى في ذلك منهم بالعذر ، وذلك قول إن قاله قائل لا يخفى أمره . وقد ذكر هذا التأويل الذي ذكرناه أخيرا عن ابن عباس لعائشة ، فأنكرته أشدّ النكرة فيما ذُكر لنا . ذكر الرواية بذلك عنها رضوان الله عليها :

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، قال : حدثنا ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، قال : قرأ ابن عباس : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا فقال : كانوا بشرا ضعفوا ويئسوا ، قال ابن أبي مليكة : فذكرت ذلك لعروة ، فقال : قالت عائشة : معاذ الله ، ما حدّث الله رسوله شيئا قطّ إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت ، ولكن لم يزل البلاء بالرسل ، حتى ظنّ الأنبياء أن من تبعهم قد كذبوهم . فكانت تقرؤها : «قد كُذّبوا » تثقلها .

قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني ابن أبي مليكة ، أن ابن عباس قرأ : وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا خفيفة قال عبد الله : ثم قال لي ابن عباس : كانوا بشرا . وتلا ابن عباس : حتى يَقُولَ الرّسُولُ والّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللّهِ ألا إنّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ . قال ابن جريج : قال ابن أبي مليكة : يذهب بها إلى أنهم ضعفوا ، فظنوا أنهم أخلفوا . قال ابن جريج : قال ابن أبي مليكة : وأخبرني عروة عن عائشة ، أنها خالفت ذلك وأبته ، وقالت : ما وعد الله محمدا صلى الله عليه وسلم من شيء إلا وقد علم أنه سيكون حتى مات ، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أن من معهم من المؤمنين قد كَذّبوهم . قال ابن أبي مليكة في حديث عروة : كانت عائشة تقرؤها : «وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذّبُوا » مثّقله ، للتكذيب .

قال : حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، قال : ثني صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة قال : قلت لها قوله : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال : قالت عائشة : لقد استيقنوا أنهم قد كذّبوا . قلت : كُذبُوا ؟ قالت : معاذ الله ، لم تكن الرسل تُظنّ يوما ، إنما هم أتباع الرسل لمّا استأخر عنهم الوحي واشتدّ عليهم البلاء ظنّت الرسل أن أتباعهم قد كذّبوهم جاءَهُمْ نَصْرُنا .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : حتى إذا استيأس الرجل ممن كذبهم من قومهم أن يصدّقوهم ، وظنت الرسل أن من قد آمن من قومهم قد كذبوهم ، جاءهم نصر الله عند ذلك .

فهذا رُوي في ذلك عن عائشة ، غير أنها كانت تقرأ : «كُذّبوا » بالتشديد وضمّ الكاف ، بمعنى ما ذكرنا عنها ، من أن الرسل ظنت بأتباعها الذين قد آمنوا بهم أنهم قد كذبوهم ، فارتدّوا عن دينهم ، استبطاءً منهم للنصر .

وقد بيّنا أن الذي نختار من القراءة في ذلك والتأويل غيره في هذا الحرف خاصة .

وقال آخرون ممن قرأ قوله : «كُذّبُوا » بضم الكاف وتشديد الذال ، معنى ذلك : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا بهم ويصدّقوهم ، وظنت الرسل : بمعنى واستيقنت أنهم قد كذّبهم أممُهم جاءت الرسلَ نُصْرَتُنا وقالوا : الظنّ في هذا بمعنى العلم ، من قول الشاعر :

فَظُنّوا بألْفَيْ فارِسٍ مُتَلَبّب *** سَرَاتُهُم في الفارِسِيّ المُسَرّدِ

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، وهو قول قتادة : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ من إيمان قومهم ، «وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذّبُوا » : أي استيقنوا أنه لا خير عند قومهم ، ولا إيمان ، جاءهم نصرنا .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : حتى إذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ قال : من قومهم «وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذّبُوا » قال : وعلموا قد كُذّبوا ، جاءَهُمْ نَصْرُنا .

وبهذه القراءة كانت تقرأ عامة قرّاء المدينة والبصرة والشام ، أعني بتشديد الذال من «كذبوا » وضمّ كافها . وهذا التأويل الذي ذهب إليه الحسن وقتادة في ذلك إذا قرىء بتشديد الذال وضمّ الكاف خلاف لما ذكرنا من أقوال جميع من حكينا قوله من الصحابة ، لأنه لم يوجّه الظنّ في هذا الموضع منهم أحد إلى معنى العلم واليقين ، مع أن الظنّ إنما استعمله العرب في موضع العلم فيما كان من علم أدرك من جهة الخبر أو من غير وجه المشاهدة والمعاينة ، فأما ما كان من علم أدرك من وجه المشاهدة والمعاينة فإنها لا تستعمل فيه الظنّ ، لا تكاد تقول : أظنني حيّا وأظنني إنسانا ، بمعنى : أعلمني إنسانا وأعلمني حيّا . والرسل الذين كذّبتهم أممهم ، لا شكّ أنها كانت لأممها شاهدة ولتكذيبها إياها منها سامعة ، فيقال فيها : ظنّت بأممها أنها كذبتها .

ورُوي عن مجاهد في ذلك قول هو خلاف جميع ما ذكرنا من أقوال الماضين الذين سمينا أسماءهم وذكرنا أقوالهم وتأويل خلاف تأويلهم وقراءة غير قراءة جميعهم ، وهو أنه فيما ذكر عنه كان يقرأ : «وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كَذَبُوا » بفتح الكاف والذال وتخفيف الذال . ذكر الرواية عنه بذلك :

حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا أبو عبيد ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، أنه قرأها : «كَذَبُوا » بفتح الكاف بالتخفيف . وكان يتأوّله كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : استيأس الرجل أن تَعذّبَ قومهم ، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذَبوا ، جاءهم نصرنا ، قال : جاء الرسل نصرُنا . قال مجاهد : قال في المؤمن : فَلَمّا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بالبَيّناتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمَ قال : قولهم نحن أعلم منهم ، ولن نعذّب . وقوله : وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ قال : حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الحقّ .

وهذه القراءة لا أستجيز القراءة بها لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار على خلافها ، ولو جازت القراءة بذلك لاحتمل وجها من التأويل وهو أحسن مما تأوّله مجاهد ، وهو : حَتى إذَا استَيأس الرسُلُ من عذاب الله قومَها المكذّبة بها ، وظنت الرسلُ أن قومها قد كَذّبوا وافتروا على الله بكفرهم بها . ويكون الظنّ موجها حينئذٍ إلى معنى العلم ، على ما تأوّله الحسن وقتادة .

وأما قوله : فَنُجّيَ مَنْ نَشاءُ فإن القرّاء اختلفت في قراءته ، فقرأه عامة قرّاء أهل المدينة ومكة والعراق : «فَنُنَجّي مَنْ نَشاءُ » بنونين ، بمعنى : فننجي نحن من نشاء من رسلنا والمؤمنين بنا ، دون الكافرين الذين كذّبوا رسلنا إذا جاء الرسلَ نصرُنا . واعتلّ الذين قرءوا ذلك كذلك أنه إنما كُتب في المصحف بنون واحدة ، وحكمه أن يكون بنونين ، لأن إحدى النونين حرف من أصل الكلمة ، من أنجى يُنجي ، والأخرى النون التي تأتي لمعنى الدلالة على الاستقبال ، من فعل جماعة مخبرة عن أنفسها ، لأنهما حرفان أعني النونين من جنس واحد يخفي الثاني منهما عن الإظهار في الكلام ، فحذفت من الخط واجتزىء بالمثبتة من المحذوفة ، كما يفعل ذلك في الحرفين اللّذين يدغم أحدهما في صاحبه . وقرأ ذلك بعض الكوفيين على هذا المعنى ، غير أنه أدغم النون الثانية وشدّد الجيم . وقرأه آخر منهم بتشديد الجيم ونصب الياء على معنى فعل ذلك به من نجيته أنجيه . وقرأ ذلك بعض المكيين : «فَنَجا مَنْ نَشاءُ » بفتح النون والتخفيف ، من نجا من عذاب الله من نشاء ينجو .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأ : «فَنُنَجّي مَنْ نَشاءُ » بنونين ، لأن ذلك هو القراءة التي عليها القِرَاءة في الأمصار ، وما خالفه ممن قرأ ذلك ببعض الوجوه التي ذكرناها فمنفرد بقراءته عما عليه الحجة مجمعة من القرّاء ، وغير جائز خلاف ما كان مستفيضا بالقراءة في قِرَاءة الأمصار . وتأويل الكلام : فننجي الرسل ومن نشاء من عبادنا المؤمنين إذا جاء نصرنا كما :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال ثني عمي : قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : «فَنُنَجّي مَنْ نَشاءُ » فننجّي الرسل ومن نشاء ، وَلا يُرَدّ بأْسُنا عَنِ القَوم المُجْرِمِينَ وذلك أن الله تبارك وتعالى بعث الرسل ، قدعَوا قومهم . وأخبروهم أنه من أطاع نجا ومن عصاه عُذّب وغَوَى .

وقوله وَلا يُرَدّ بأْسُنا عَن القَوْمِ المُجْرِمِينَ يقول : ولا تردّ عقوبتنا وبطشنا بمن بطشنا به من أهل الكفر بنا عن القوم الذين أجرموا ، فكفروا بالله وخالفوا رسله وما أتوهم به من عنده .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسۡتَيۡـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ جَآءَهُمۡ نَصۡرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُۖ وَلَا يُرَدُّ بَأۡسُنَا عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (110)

ويتضمن قوله تعالى : { أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم } أن الرسل الذين بعثهم الله من أهل القرى دعوا أممهم فلم يؤمنوا بهم حتى نزلت بهم المثلات ، صاروا في حيز من يعتبر بعاقبته ، فلهذا المضمن حسن أن تدخل { حتى } في قوله : { حتى إذا استيأس الرسل }{[6867]} .

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والحسن وعائشة - بخلاف - وعيسى وقتادة ومحمد بن كعب والأعرج وأبو رجاء وابن أبي مليكة «كُذّبوا » بتشديد الذال وضم الكاف ، وقرأ الباقون «كُذِبوا » بضم الكاف وكسر الذال{[6868]} وتخفيفها - وهي قراءة علي بن أبي طالب وأبيّ بن كعب وابن مسعود وابن عباس ومجاهد وطلحة والأعمش وابن جبير ومسروق والضحاك وإبراهيم وأبي جعفر ، ورواها شيبة بن نصاح عن القاسم عن عائشة - وقرأ مجاهد والضحاك وابن عباس وعبد الله بن الحارث - بخلاف عنهم - «كَذَبوا » بفتح الكاف والذال ، فأما الأولى فتحتمل أن يكون الظن بمعنى اليقين ، ويكون الضمير في { ظنوا } وفي { كذبوا } للرسل ، ويكون المكذبون مشركي من أرسل إليه ؛ المعنى : وتيقن الرسل أن المشركين كذبوهم وهموا على ذلك وأن الانحراف عنه ويحتمل أن يكون الظن على بابه ، والضميران للرسل ، والمكذبون مؤمنو من أرسل إليه ، أي مما طالت المواعيد حسب الرسل أن المؤمنين أولاً قد كذبوهم وارتابوا بقولهم .

وأما القراءة الثانية - وهي ضم الكاف وكسر الذال وتخفيفها - فيحتمل أن يكون المعنى - حتى إذا استيأس الرسل من النصر أو من إيمان قومهم - على اختلاف تأويل المفسرين في ذلك - وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما ادعوه من النبوءة ، أو فيما توعدوهم به من العذاب - لما طال الإمهال واتصلت العافية - فلما كان المرسل إليهم - على هذا التأويل - مكذبين - بني الفعل للمفعول في قوله : «كُذِبوا » - هذا مشهور قول ابن عباس وابن جبير - وأسند الطبري : أن مسلم بن يسار قال لسعيد بن جبير : يا أبا عبد الله ، آية بلغت مني كل مبلغ : { حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا } فهذا هو أن تظن الرسل أنهم قد كذبوا مخففة . فقال له ابن جبير : يا أبا عبد الرحمن ؛ إنما يئس الرسل من قومهم أن يجيبوهم ، وظن قومهم أن الرسل كذبتهم ، فحينئذ جاء النصر . فقام مسلم إلى سعيد فاعتنقه وقال : فرجت عني فرج الله عنك .

قال القاضي أبو محمد : فرضي الله عنهم كيف كان خلقهم في العلم{[6869]} . وقال بهذا التأويل - في هذه القراءة - ابن مسعود ومجاهد ، ورجح أبو علي الفارسي هذا التأويل ، وقال : إن رد الضمير في { ظنوا } وفي «كذبوا » على المرسل إليهم - وإن كان لم يتقدم لهم ذكر صريح - جائز لوجهين .

أحدهما : أن ذكر الرسل يقتضي ذكر مرسل إليه .

والآخر : أن ذكرهم قد أشير إليه في قوله : { عاقبة الذين } ، وتحتمل هذه القراءة أيضاً أن يكون الضمير في { ظنوا } وفي { كذبوا } عائد على الرسل ، والمعنى : كذبهم من أخبرهم عن الله ، والظن على بابه - وحكى هذا التأويل قوم من أهل العلم - والرسل بشر فضعفوا وساء ظنهم - قاله ابن عباس وابن مسعود أيضاً وابن جبير - وقال : ألم يكونوا بشراً ؟ وقال ابن مسعود لمن سأله عن هذا هو الذي نكره . وردت هذا التأويل عائشة أم المؤمنين وجماعة من أهل العلم ، وأعظموا أن توصف الرسل بهذا . وقال أبو علي الفارسي : هذا غير جائز على الرسل .

قال القاضي أبو محمد : وهذا هو الصواب ، وأين العصمة والعلم ؟

وأما القراءة الثالثة - وهي فتح الكاف والذال - فالضمير في { ظنوا } للمرسل إليهم ، والضمير في «كذبوا » للرسل ، ويحتمل أن يكون الضميران للرسل ، أي ظن الرسل أنهم قد كذبوا من حيث نقلوا الكذب وإن كانوا لم يتعمدوه ، فيرجع هذا التأويل إلى المعنى المردود الذي تقدم ذكره .

وقوله : { جاءهم نصرنا } أي بتعذيب أممهم الكافرة ، ثم وصف حال مجيء العذاب في أنه ينجي الرسل وأتباعهم ، وهم الذين شاء رحمتهم ، ويحل بأسه بالمجرمين الكفرة .

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي «فنُنْجي » - بنونين - من أنجى . وقرأ الحسن : «فننَجي » - النون الثانية مفتوحة ، وهو من نجى ينجّي . وقرأ أبو عمرو أيضاً وقتادة «فنجّي » - بنون واحدة وشد الجيم وسكون الياء - فقالت فرقة : إنها كالأولى أدغمت النون الثانية في الجيم ؛ ومنع بعضهم أن يكون هذا موضع إدغام لتنافر النون والجيم في الصفات لا في المخارج ، وقال : إنما حذفت النون في الكتاب لا في اللفظ وقد حكيت هذه القراءة عن الكسائي ونافع . وقرأ عاصم وابن عامر «فنجيَ » بفتح الياء على وزن فعل . وقرأت فرقة «فننجيَ » - بنونين وفتح الياء - رواها هبيرة عن حفص عن عاصم - وهي غلط من هبيرة{[6870]} . وقرأ ابن محيصن ومجاهد «فنجى » - فعل ماض بتخفيف الجيم وهي قراءة نصر بن عاصم والحسن بن أبي الحسن وابن السميفع وأبي حيوة ، قال أبو عمرو الداني : وقرأت لابن محيصن «فنجّى » - بشد الجيم - على معنى فنجى النصر .

و «البأس » : العذاب . وقرأ أبو حيوة «من يشاء » - بالياء - وجاء الإخبار عن هلاك الكافرين ، بقوله : { ولا يرد بأسنا*** } الآية - إذ في هذه الألفاظ وعيد بين ، وتهديد لمعاصري محمد عليه السلام . وقرأ الحسن «بأسه » ، بالهاء .


[6867]:قال أبو حيان في البحر بعد أن نقل الكلام ابن عطية هذا: "ولم يتحصل لنا من كلامه شيء يكون ما بعد (حتى) غاية له، لأنه علق الغاية بما ادعى أنه فهم ذلك من قوله تعالى: {أفلم يسيروا} الآية". وقال القرطبي: "المعنى: و ما أرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالا لم نعاقب أممهم بالعقاب حتى إذا استيأس الرسل".
[6868]:أي الذال الخفيفة
[6869]:هكذا في جميع النسخ الأصلية "كانت" بتاء التأنيث.
[6870]:عقب على ذلك أبو حيان في البحر بقوله: "وليست غلطا، ولها وجه في العربية، وهو أن الشرط والجزاء يجوز أن يأتي بعدهما المضارع منصوبا بإضمار (أن) بعد الفاء، كقراءة من قرأ: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر} بنصب (يغفر) بإضمار (أن) بعد الفاء، ولا فرق بين أن تكون أداة الشرط جازمة أو غير جازمة". (5ـ355).