الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسۡتَيۡـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ جَآءَهُمۡ نَصۡرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُۖ وَلَا يُرَدُّ بَأۡسُنَا عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (110)

أخرج أبو عبيد والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق عروة ، أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن قوله { حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا } قال : قلت : أكذبوا ، أم كذبوا ؟ قالت عائشة - رضي الله عنها بل { كذّبوا } يعني بالتشديد ، قلت : والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم ، فما هو بالظن . قالت : أجل ، لعمري لقد استيقنوا بذلك . فقلت لعلها { وظنوا أنهم قد كذبوا } مخففة . قالت : معاذ الله ، لم تكن الرسل لتظن ذلك بربها . قلت : فما هذه الآية ؟ قالت : هم اتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم ، وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر ، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم ، وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم ، جاءهم نصر الله عند ذلك .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه ، عن عبد الله بن أبي مليكة - رضي الله عنه - أن ابن عباس - رضي الله عنهما - قرأها عليه { وظنوا أنهم قد كذبوا } مخففة . يقولوا اخلفوا ، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - وكانوا بشراً ، وتلا { حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله } [ البقرة : 214 ] قال ابن أبي مليكة : فذهب ابن عباس - رضي الله عنهما - إلى أنهم يئسوا وضعفوا ، فظنوا أنهم قد أخلفوا ، قال ابن أبي مليكة : وأخبرني عروة عن عائشة أنها خالفت ذلك وأبته وقالت : ما وعد الله رسوله من شيء إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت ، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أن من معهم من المؤمنين قد كذبوهم ، وكانت تقرؤها { وظنوا أنهم قد كذبوا } مثقلة للتكذيب .

وأخرج ابن مردويه من طريق عروة ، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { وظنوا أنهم قد كذبوا } بالتشديد .

وأخرج ابن مردويه من طريق عمرة ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ { وظنوا أنهم قد كذبوا } مخففة .

وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه كان يقرأ { حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا } مخففة . قال : يئس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم فيما جاؤوهم به { جاءهم نصرنا } قال : جاء الرسل نصرنا .

وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ ، عن تميم بن حرام قالت : قرأ على ابن مسعود - رضي الله عنه - القرآن فلم يأخذ علي إلا حرفين { كل أتوه داخرين } فقال : أتوه ، مخففة .

وقرأت عليه { وظنوا أنهم قد كذبوا } فقال : { كذبوا } مخففة قال : { استيأس الرسل } من أيمان قومهم أن يؤمنوا لهم ، وظن قومهم حين أبطأ الأمر { أنهم قد كذبوا } .

وأخرج ابن مردويه من طريق أبي الأحوص ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة يوسف { وظنوا أنهم قد كذبوا } خفيفة .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ ، عن ربيعة بن كلثوم قال : حدثني أبي أن مسلم بن يسار - رضي الله عنه - سأل سعيد بن جبير - رضي الله عنه - فقال : يا أبا عبد الله ، آية قد بلغت مني كل مبلغ { حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا } فهذا الموت إن نظن الرسل أنهم قد كذبوا أو نظن أنهم قد كذبوا مخففة . فقال سعيد بن جبير - رضي الله عنه - { حتى إذا استيأس الرسل } من قومهم أن يستجيبوا لهم ، وظن قومهم أن الرسل كذبتهم { جاءهم نصرنا } فقام مسلم إلى سعيد فاعتنقه وقال : فرج الله عنك كما فرجت عني .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن إبراهيم ، عن أبي حمزة الجزري قال : صنعت طعاماً فدعوت ناساً من أصحابنا ، منهم سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم ، فسأل فتى من قريش سعيد بن جبير - رضي الله عنه - فقال : يا أبا عبد الله ، كيف تقرأ هذا الحرف ؟ فإني إذا أتيت عليه تمنيت أني لا أقرأ هذه السورة { حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا } قال : نعم { حتى إذا استيأس الرسل } من قومهم أن يصدقوهم ، وظن المرسل إليهم أن الرسل { قد كذبوا } فقال الضحاك - رضي الله عنه - لو رحلت في هذه إلى اليمن ، لكان قليلاً .

وأخرج ابن جرير ، عن مجاهد - رضي الله عنه - أنه قرأها { كذبوا } بفتح الكاف والتخفيف . قال : استيأس الرسل أن يعذب قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا { جاءهم نصرنا } قال : جاء الرسل نصرنا . قال مجاهد : قال في المؤمن { فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم } [ غافر : 83 ] قال قولهم : نحن أعلم منهم ولن نعذب ، وقوله { وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون } [ الزمر : 48 ] قال : حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الحق .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس - رضي الله عنهما { فننجي من نشاء } قال : فننجي الرسل ومن نشاء { ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين } وذلك أن الله تعالى بعث الرسل يدعون قومهم ، فأخبروهم أنه من أطاع الله نجا ، ومن عصاه عذب وغوى .

وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - { جاءهم نصرنا } قال : العذاب .

وأخرج أبو الشيخ عن نصر بن عاصم - أنه قرأ [ فنجا من نشاء ] .

وأخرج أبو الشيخ عن أبي بكر - أنه قرأ { فننجي من نشاء } .

وأخرج أبو الشيخ ، عن السدي - { ولا يرد بأسنا } قال عذابه .