ثم قال تعالى : { حتى إذا استيئس الرسل } الآية [ 110 ] ، ومعنى الآية : أنها مردودة على ما قبلها ، وهو قوله ( تعالى ){[35420]} : { وما أرسلنا من قبلكم إلا رجالا يوحى إليهم من أهل القرى }[ 109 ] فالمعنى : حتى إذا استيأس الرسل الذين تقدم ذكرهم ، من إيمان قومهم ، وأيقن الرسل أن قومهم قد كذبوهم . جاء الرسل نصرنا{[35421]} . فيكون الفعلان ( للرسل/ ) والضميران في ( أنهم ) ، وجاءهم للرسل أيضا ، هذا على قراءة من شدَّد ( كُذِّبوا . قال هذا التفسير : الحسن ، وقتادة{[35422]} وتحتمل{[35423]} هذه القراءة معنى آخر ، وهو أن يكون المعنى : حتى إذا استيأس الرسل من إيمان من كذبهم ( من ){[35424]} قومهم ، وظنوا أن من آمن من قومهم قد كذبوهم ، لما لحقهم من البلاء والامتحان ، جاء الرسل نصرنا{[35425]} .
( وهذا المعنى مروي من عائشة رضي الله عنها : ( روى عروة عنها أنها ){[35426]} قالت : مَحَنَ{[35427]} المؤمنين بالبلاء ، والضر حتى ظن الرسل أن المؤمنين{[35428]} قد كذبوهم لما لحقهم{[35429]} . فيكون الظن بمعنى : الشك لا بمعنى اليقين .
فأما المعنى على قراءة من خفف ( كذبوا ){[35430]} فعلى تقدير : حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا : أي : أخلفوا لما وعدوا به من النصر . جاء الرسل نصرنا{[35431]} . فيكون الظن بمعنى : اليقين ، وبمعنى : الشك{[35432]} ، وتحتمل هذه القراءة أيضا معنى آخر ، وهو أن يكون التقدير : { حتى إذا استيأس الرسل }[ 110 ] من إيمان قومهم{[35433]} ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم . ثم رد إلى ما لم يسم فاعله .
وقد قرأ مجاهد ( كَذَبُوا ) بفتح الكاف والتخفيف{[35434]} ، ومعناه : وأيقن الرسل أن قومهم{[35435]} قد كذبوا في ردهم على الرسل .
وقيل : الظن بمعنى : الشك ، وهو للمرسل إليهم{[35436]} . والمعنى : وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوا فيما دعوهم إليه{[35437]} من الإيمان بالله ، ( عز وجل ){[35438]} ، وفيما وعدهم به من النصر عليهم ، والانتقام منهم .
وقيل : معناه{[35439]} : حتى استيأس الرسل من عذاب الله ( سبحانه ){[35440]} قومها{[35441]} المكذبين لها ، وظنت{[35442]} الرسل أن قومها قد كذبوا ، وافتروا على الله ( سبحانه ) ، بكفرهم ، جاء الرسل نصرنا . فالظن على هذا بمعنى اليقين . وقيل : المعنى : استيأس{[35443]} الرسل أن يأتي قومهم العذاب ، قال( ه ){[35444]} مجاهد{[35445]} . وعن ابن عباس أن المعنى : وظن الرسل أنهم قد كذبوا{[35446]} ، واستشهد{[35447]} على ذلك بقول نوح : { إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق }{[35448]} ، وبقول{[35449]} : إبراهيم : { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تومن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي }{[35450]} ( فيكون ){[35451]} الظن بمعنى الشك . كأن الرسل دخلها شك كما يدخل سائر الخلق . وهذا تأويل فيه رجاء عظيم للمؤمنين ، وفيه صعوبة لما أضيف إلى الرسل{[35452]} من الشك ، والله أعلم بذلك كله{[35453]} .
وعن ابن عباس أيضا في معنى ظن الرسل أنهم أخلفوا{[35454]} ، وهو المعنى المتقدم .
قال ابن عباس : كانوا بشرا{[35455]} ، يريد أن الأنبياء يعتريهم ما يعتري البشر .
وروى الزهري : ( عن عروة بن الزبير ){[35456]} أنه سأل عائشة رضي الله عنها ، عن هذه الآية ، وقرأها بالتشديد ، وقال : قلت لها : قد استيقن ( الرسل ){[35457]} أن قومهم قد ( كذبوهم ){[35458]} ، فقال( ت ){[35459]} : أجل ، قد استيقنوا ذلك . قلت : فلعلها ، وظنوا أنهم قد كذبوا بالتخفيف . فقالت معاذ الله لم تكن الرسل لتظن ذلك بربها . قال : قلت : فما هذه الآية ؟ فقالت/ هم أتباع الرسل الذين آمنوا بهم وصدقوهم ، وطال عليهم البلاء ، واستأخر عنهم النصر ، حتى إذا استيأس الرسل ظن ( من كذب بهم من قومهم ){[35460]} ، أن أتباعهم الذين آمنوا بهم قد كذبوهم ، جاءهم نصر الله عند ذلك{[35461]} .
ومعنى{[35462]} : { فننجي من نشاء } ، ( أي ){[35463]} : ننجي الرسل ، ومن نشاء من عبادنا المؤمنين{[35464]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.