بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسۡتَيۡـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ جَآءَهُمۡ نَصۡرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُۖ وَلَا يُرَدُّ بَأۡسُنَا عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (110)

ثم رجع إلى حديث الرسل الذين كذبهم قومهم ، فقال تعالى : { حَتَّى إذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ } يعني : أيسوا من إيمان قومهم أن يؤمنوا { وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا } قرأ أهل الكوفة عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، { كُذِبُوا } بتخفيف الذال . وقرأ الباقون : بالتشديد . وروى الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس ، أنه قرأ : { كُذِبُوا } بالتخفيف . ويقال : لما أيست الرسل ، أن يستجيب لهم قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا عليهم ، جاءهم بالنصرة . وروى ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس أنه قال : { حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا } قال : كانوا بشراً ، فضعفوا ، وسئموا ، وظنوا أنهم قد كذبوا ، وأشار بيده إلى السماء . قال ابن أبي مليكة : فذكرت ذلك لعروة . فقال : قالت عائشة رضي الله عنها : معاذ الله ما حدث شيئاً إلا وعلم الله ورسوله أنه سيكون قبل أن يموت . قالت : ولكن نزل الأنبياء البلاء حتى خافوا أن يكون من معهم ، كذبوهم من المؤمنين ؛ وكانت تقرأ { قد كُذِّبُوا } بالتشديد . وعن عائشة قالت : استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم ، أن يصدقوهم ، وظنوا أن من قد آمن بهم من قومهم ، قد كذبوهم . وقال القتبي : الذي قالت عائشة أحسنها في الظاهر ، وأولاها بأنبياء الله تعالى { جَاءَهُمْ نَصْرُنَا } أي : للأنبياء بالنصرة .

ثم قال : { فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءَ } يعني : من آمن بالأنبياء . قرأ عاصم وابن عامر { فَنُجِّيَ من نشاء } بنون واحدة مع التشديد . وقرأ الباقون بالنونين ، وأصله { فَنُنْجِيَ } بالنونين ، إلا أن من قرأ بنون واحدة ، أدغم إحداهما في الأُخرى ثم قال : { وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا } يعني : عذابنا { عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } يعني : الكافرين .