قوله تعالى : " حتى إذا استيأس الرسل " تقدم القراءة فيه ومعناه{[9312]} . " وظنوا أنهم قد كذبوا " وهذه الآية فيها تنزيه الأنبياء وعصمتهم عما لا يليق بهم . وهذا الباب عظيم ، وخطره جسيم ، ينبغي الوقوف عليه ؛ لئلا يزل الإنسان فيكون في سواء الجحيم . المعنى : وما أرسلنا قبلك يا محمد إلا رجالا ثم لم نعاقب أممهم بالعذاب{[9313]} . " حتى إذا استيأس الرسل " أي يئسوا من إيمان قومهم . " وظنوا أنهم قد كذبوا " بالتشديد ، أي أيقنوا أن قومهم كذبوهم . وقيل المعنى : حسبوا أن من آمن بهم من قومهم كذبوهم ، لا أن القوم كذبوا ، ولكن الأنبياء ظنوا وحسبوا أنهم يكذبونهم ، أي خافوا أن يدخل قلوب أتباعهم شك ، فيكون " وظنوا " على بابه في هذا التأويل . وقرأ ابن عباس وابن مسعود وأبو عبدالرحمن السلمي وأبو جعفر بن القعقاع والحسن وقتادة وأبو رجاء العطاردي وعاصم وحمزة والكسائي ويحيى بن وثاب والأعمش وخلف " كذبوا " بالتخفيف ، أي ظن القوم أن الرسل كذبوهم فيما أخبروا به من العذاب ، ولم يصدقوا . وقيل : المعنى ظن الأمم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا به من نصرهم . وفي رواية عن ابن عباس ، ظن الرسل أن الله أخلف ما وعدهم . وقيل : لم تصح هذه الرواية ؛ لأنه لا يظن بالرسل هذا الظن ، ومن ظن هذا الظن لا يستحق النصر ، فكيف قال : " جاءكم نصرنا " ؟ ! قال القشيري أبو نصر : ولا يبعد إن صحت الرواية أن المراد خطر بقلوب الرسل{[9314]} هذا من غير أن يتحققوه في نفوسهم ، وفي الخبر : ( إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم ينطق به لسان أو تعمل به ) . ويجوز أن يقال : قربوا من ذلك الظن ، كقولك : بلغت المنزل ، أي قربت منه . وذكر الثعلبي والنحاس عن ابن عباس قال : كانوا بشرا فضعفوا من طول البلاء ، ونسوا وظنوا أنهم أخلفوا ، ثم تلا : " حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله{[9315]} " [ البقرة : 214 ] . وقال الترمذي الحكيم : وجهه عندنا أن الرسل كانت تخاف بعد ما وعد الله النصر ، لا من تهمة لوعد الله ، ولكن لتهمة النفوس أن تكون قد أحدثت حدثا ينقض ذلك الشرط والعهد الذي عهد إليهم ، فكانت إذا طالت عليهم{[9316]} المدة دخلهم الإياس والظنون من هذا الوجه . وقال المهدوي عن ابن عباس : ظنت الرسل أنهم قد أخلفوا على ما يلحق البشر ، واستشهد بقول إبراهيم عليه السلام : " رب أرني كيف تحيى الموتى{[9317]} " [ البقرة : 260 ] الآية . والقراءة الأولى أولى . وقرأ مجاهد وحميد - " قد كذبوا " بفتح الكاف والذال مخففا ، على معنى : وظن قوم الرسل أن الرسل قد كذبوا ، لما رأوا من تفضل الله عز وجل في تأخير العذاب . ويجوز أن يكون المعنى : ولما أيقن الرسل أن قومهم قد كذبوا على الله بكفرهم جاء الرسل نصرنا . وفي البخاري عن عروة عن عائشة قالت له وهو يسألها عن قول الله عز وجل : " حتى إذا استيأس الرسل " قال قلت : أكُذِبُوا أم كُذِّبُوا ؟ قالت عائشة : كذبوا .
قلت : فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن ؟ قالت : أجل ! لعمري ! لقد استيقنوا بذلك ، فقلت لها : " وظنوا أنهم قد كذبوا " قالت : معاذ الله ! لم تكن الرسل تظن ذلك بربها . قلت : فما هذه الآية ؟ قالت : هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم ، فطال عليهم البلاء ، واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل{[9318]} ممن كذبهم من قومهم ، وظنت الرسل أن أتباعهم قد{[9319]} كذبوهم جاءهم نصرنا عند ذلك . وفي قوله تعالى : " جاءهم نصرنا " قولان : أحدهما : جاء الرسل نصر الله ، قاله مجاهد . الثاني : جاء قومهم عذاب الله ، قاله ابن عباس . " فننجي{[9320]} من نشاء " قيل : الأنبياء ومن آمن معهم . وروي عن عاصم " فنجي من نشاء " بنون واحدة مفتوحة الياء ، و " من " في موضع رفع اسم ما لم يسم فاعله ، واختار أبو عبيد هذه القراءة لأنها في مصحف عثمان ، وسائر مصاحف البلدان بنون واحدة{[9321]} . وقرأ ابن محيصن " فنَجَا " فعل ماض ، و " من " في موضع رفع لأنه الفاعل ، وعلى قراءة الباقين نصبا على المفعول . " ولا يرد بأسنا " أي عذابنا . " عن القوم المجرمين " أي الكافرين المشركين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.