ويتضمَّن قوله تعالى : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ } أن الرسلَ الذين بعثهم اللَّهُ مِنْ أهْل القُرَى ، دَعَوْا أممهم ، فلم يؤمنوا بهم ، حتى نزلَتْ بهم المَثُلاَتُ ، فصاروا في حَيِّز مَنْ يُعْتَبَرُ بعاقبته ، فلهذا المضمَّن حَسُنَ أَنْ تدخل «حتى » في قوله : { حتى إِذَا استيئس الرسل } [ يوسف : 110 ] . وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر : «وظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا » بتشديد الذال ، وقرأ الباقون : «كُذِبُوا » بضم الكاف ، وكسْر الذال المخفَّفة ، فأما الأولى ، فمعناها أنَّ الرسل ظَنُّوا أن أممهم قَدْ كَذَّبتهم ، و«الظَّنُّ » ؛ هنا : يحتملُ أنْ يكون بمعنى اليَقِينِ ، ويحتمل أنْ يكون الظَّنُّ على بابه ، ومعنى القراءة الثانية ؛ على المشهور من قول ابن عباس وابنِ جُبَيْر : أي : حتَّى إِذا استيأس الرسُلُ من إِيمان قومِهِم ، وظَنَّ المُرْسَلُ إِليهم أَنَّ الرسُلَ قد كَذَبُوهُمْ فيما ادعوه من النبوَّة ، أو فيما توعَّدوهم به من العذاب ، لما طال الإِمهال ، واتصلت العافيةُ ، جاءهم نَصْرنا .
وأسند الطبريُّ أنَّ مسلم بن يَسَارٍ ، قال لسعيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّه ، آيةٌ بَلَغَتْ مِنِّي كُلَّ مبلغٍ : «حتى إِذَا استيئس الرسل وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ » فهذا هو الموت أَنْ تظنَّ الرسُلُ أنهم قد كُذِبوا مخفَّفة ، فقال له ابن جُبَيْر : يا أبا عبد الرحمن ، إِنما يَئِسَ الرسُلُ مِنْ قومِهِم ؛ أنْ يجيبوهم ، وظَنَ قومهم أن الرسل قد كَذَبَتْهُمْ ، فقام مُسْلِم إِلى سعيدٍ ، فاعتنقه ، وقال : فَرَّجْتَ عني ، فَرَّجَ اللَّهُ عنك .
قال ( ع ) : فرضِيَ اللَّهَ عَنْهم ، كيف كَانَ خُلُقُهُمْ في العِلْمِ ، وقال بهذا التأويل جماعةٌ ، وهو الصَّواب ، وأما تأويلُ مَنْ قال : إِن المعنى : وظَنُّوا أنهم قد كَذَبَهُمْ مَنْ أخبرهم عن اللَّه ، فغير صحيحٍ ، ولا يجوزُ هذا على الرسُلِ ، وأين العَصْمة والعِلْم .
( ت ) : قال عِيَاضٌ : فإِن قيل : فما معنَى قوله تعالى : { حتى إِذَا استيئس الرسل وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا } على قراءة التخفيف ؟ قُلْنَا : المعنى في ذلك ما قَالَتْهُ عائشةُ رضي اللَّه عنها مَعَاذَ اللَّهِ ، أنْ تَظُنَّ الرُّسُلُ ذَلِكَ بِرَبِّهَا ، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الرُّسُلَ ، لَمَّا استيأسُوا ، ظَنُّوا أَنَّ مَنْ وعدهم النصْرَ مِنْ أتباعهم ، كَذَبُوهم وعلى هذا أكثرُ المفسِّرين ، وقيل : الضمير في «ظَنُّوا » عائدٌ على الأتباع والأممِ ، لا على الأنبياء والرسل وهو قول ابن عباس والنَّخَعِيِّ وابنِ جُبَيْر وجماعةٍ ، وبهذا المعنى قرأ مجاهدٌ : «كَذَبُوا » بالفَتْح ، فلا تَشْغَلْ بالك مِنْ شَاذِّ التفسير بسواه ممَّا لا يليقُ بمَنْصِب العلماء ، فكَيْفَ بالأنبياء ، انتهى من «الشفا » .
وقوله سبحانه : { جَاءَهُمْ نَصْرُنَا } : أي : بتعذيب أممهم الكافرة .
{ فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ } : أي : من أتباع الرسلِ .
{ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القوم المجرمين } : أي : الكافرين ، و«البَأْسُ » : العذاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.