تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسۡتَيۡـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ جَآءَهُمۡ نَصۡرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُۖ وَلَا يُرَدُّ بَأۡسُنَا عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (110)

وقوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) وكذِّبوا كلاهما لغتان[ انظر معجم القراءات القرآنيةج3/197 ] .

قال بعضهم : أيس الرسل من إيمان قومهم وعن تصديقهم الرسل ثم يحتمل استيآسهم من إيمانهم لكثرة ما رأوا من اعتنادهم الآيات وتفريطهم بردها[ من م ، فلي الأصل : وردوها ] ، أيسوا من إيمانهم ، وكان إياسهم بالخبر عن الله أنهم لا يؤمنون كقوله : ( وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن )الآية[ هود : 36 ] وأمثاله .

وقوله تعالى : ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) قال بعضهم : وظن[ من م ، في الأصل : وظنوا ] الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم لكثرة ما أصابهم من الشدائد ، وطال عليهم البلاء ، واستأخر النصر ، فوقع عند الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم لكثرة ما أصابهم ، وإن كان من الأعداء ، فقد استيقن الرسل أنهم قد كذبوهم .

وروي عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة قال : قلت[ في م : فقلت ] أرأيت قول الله : ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) ؟ قال : فقالت[ في الأصل وم : فقال ] بل كذبهم قومهم ، قال : فقلت[ في الأصل وم : قلت ] آرأيت قول الله : ( حتى ) والله لقد استيقنوا أن قومهم قد كذبوا ، وما هو بالظن . فقالت : يا عروة لقد استيقنوا بذلك . قال : فقلت[ في الأصل وم : قال ] : فلعلهم ظنوا أنهم قد كذبوا ، قالت[ في الأصل وم : قال ] ما عاذ الله ، لم تكن الرسل لتظن ذلك بربها [ قلت : فما ][ في الأصل وم : فما ] هذه الآية ؟ قالت : هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم ، وصدقوه ، وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر ، حتى إذا استيأست الرسل ممن كذبهم من قومهم ، وظنوا أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك .

وقال بعضهم : ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسل ) من إيمان قومهم ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا في ما وعدوا من العذاب أنه نازل لما أبطأ عليهم العذاب .

وقال بعضهم : ( وظنوا أنهم ) أي ظن قومهم أن رسلهم قد كذبوهم خبر السماء ( جاءهم نصرنا ) .

فإن كانت[ في الأصل وم : كان ] الآية في أتباع الرسل على ما ذكر بعضهم فهو كقوله : ( حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه ) متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب )[ البقرة : 214 ] وإن كانت في غيرهم من المكذبين فقد جاء الرسل نصر الله .

وقوله تعالى : ( فنجي من نشاء ) من المؤمنين . فهو في ظاهره خبر على المستقبل أنه ينجي من يشاء من هؤلاء المؤمنين .

ويشبه أن يكون على الخبر في أولئك . فإن كان على هذا [ فإنه يجيء ][ في الأصل وم : فيجيء ] أن يكون نجينا من نشاء منهم ، [ وأهلكنا من نشاء منهم ][ من م ، ساقطة من الأصل ] لكن يجوز هذا في اللغة ، أو يكون في الآخرة ؛ ننجي من نشاء .

وقوله تعالى : ( ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) أي لا يرد عذابنا إذا نزل عن المجرمين .