وقوله تعالى : { ألم تر كيف ضرب الله مثلا } ، ألم تعلم ، والمثل : قول سائر لتشبيه شيء بشيء . { كلمة طيبة } ، هي قول : لا إله إلا الله ، " كشجرة طيبة " ، { كشجرة طيبة } وهي النخلة يريد : كشجرة طيبة الثمر . وقال أبو ظبيان عن ابن عباس : هي شجرة في الجنة . { أصلها ثابت } ، في الأرض ، { وفرعها } ، أعلاها ، { في السماء } ، كذلك أصل هذه الكلمة : راسخ في قلب المؤمن بالمعرفة والتصديق ، فإذا تكلم بها عرجت ، فلا تحجب حتى تنتهي إلى الله عز وجل . قال الله تعالى : { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } [ فاطر-10 ] .
وبعد أن بين - سبحانه - حال السعداء والأشقياء يوم القيامة ، أتبع ذلك بضرب مثل لهما زيادة فى التوضيح والتقرير فقال - تعالى - :
{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً كَلِمَةً . . . } .
والخطاب فى قوله { أَلَمْ تَرَ . . . } للرسول - صلى الله عليه وسلم - أو لكل من يصلح للخطاب ، والاستفهام للتقرير ، والرؤية مستعملة فى العلم الناشئ عن التأمل والتفكر فى ملكوت السموات والأرض .
قال الآلوسى ما ملخصه : قوله - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ . . . } هذا التعبير قد يذكر لمن تقدم علمه فيكون للتعجب ، وقد يذكر لمن ليس كذلك ، فيكون لتعريفه وتعجيبه ، وقد اشتهر فى ذلك حتى أجرى مجرى المثل فى ذلك ، بأن شبه من لم ير الشئ بحال من رآه فى أنه لا ينبغى أن يخفى عليه ، ثم أجرى الكلام معه كما يجرى مع من رأى ، قصدا إلى المبالغة فى شهرته وعراقته فى التعجب .
والمثل : يطلق على القول السائر المعروف للماثلة مضربه لمورده .
وقوله { مثلا } انتصب على أنه مفعول به لضرب ، وقوله { كلمة } بدل منه أو عطف بيان .
والمراد بالكلمة الطيبة : كلمة الإِسلام ، وما يترتب عليها من عمل صالح ، وقول طيب .
قال الآلوسى ما ملخصه : " والمراد بالشجرة الطيبة - المشبه بها - النخلة عند الأكثرين وروى ذلك عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وعكرمة والضحاك وابن زيد . .
وأخرج عبد الرازاق والترمذى وغيرهما عن شيعب بن الحجاب قال : كنا عند أنس ، فأتينا بطيق عليه رطب ، فقال أنس لأبى العالية : كل يا أبا العالية ، فإن هذا من الشجرة التى ذكرها الله - تعالى - فى كتابه { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ . . . }
وأخرج الترمذى - أيضا - والنسائى وابن حبان والحاكم وصححه عن أنس قال : " أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقناع من بسر - أى بطبق من تمر لم ينضج بعد فقال : " مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة . . قال : هى النخلة " " .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنها شجرة جوز الهند .
وأخرج ابن حرير وابن أبى حاتم أنها شجرة فى الجنة ، وقيل كل شجرة مثمرة كالنخلة ، وكشجرة التين والعنب والرمان وغير ذلك ثم قال :
" وأنت تعلم أنه إذا صح الحديث ولم يتأت حمل ما فيه على التمثيل لا ينبغى العدول عنه " .
وكأن الإِمام الآلوسى بهذا القول يريد أن يرجح أن المراد بالشجرة الطيبة النخلة ، لتصريح الآثار بذلك .
وقد رجح ابن جرير - أيضا - أن المراد بها النخلة فقال ما ملخصه : " واختلفوا فى المراد بالشجرة الطيبة ، فقال بعضهم : هى النخلة . . وقال آخرون : هى شجرة فى الجنة . .
وأولى القولين بالصواب فى ذلك قول من قال هى النخلة ، لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى ذلك . . . "
والمعنى : ألم تر - أيها المخاطب - كيف اختار الله - تعالى - مثلا ، وضعه فى موضعه اللائق به ، والمناسب له ، وهذا المثل لكلمتى الإِيمان والكفر ، حيث شبه - سبحانه الكلمة الطيبة وهى كلمة الإِسلام ، بالشجرة الطيبة ، أى النافعة فى جميع أحوالها ، وهى النخلة .
ثم وصف - سبحانه - هذه الشجرة بصفات حسنة فقال : { أَصْلُهَا ثَابِتٌ } .
أى : ضارب بعروقه فى باطن الأرض فصارت بذلك راسخة الأركان ثابتة البنيان .
{ وَفَرْعُهَا } أى : أعلاها وما امتد منها من أغصان ، مشتق من الاقتراع بمعنى الاعتلاء { فِي السمآء } أى : فى جهة السماء من حيث العلو والارتفاع ، وهذا ما يزيد الشجرة جمالا وحسن منظر .
وقوله : ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم تر يا محمد بعين قلبك فتعلم كيف مثّل الله مثلاً وشبّه شبها كلمة طيبة ، ويعني بالطيبة : الإيمان به جلّ ثناؤه : كشجرة طيبة الثمرة ، وترك ذكر الثمرة استغناء بمعرفة السامعين عن ذكرها بذكر الشجرة . وقوله : أصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السّماءِ يقول عزّ ذكره : أصل هذه الشجرة ثابت في الأرض ، وفرعها ، وهو أعلاها في السماء : يقول : مرتفع علوا نحو السماء .
ألم تر كيف ضرب الله مثلا } كيف اعتمده ووضعه . { كلمة طيّبة كشجرة طيّبة } أي جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة ، وهو تفسير لقوله { ضرب الله مثلا } ، ويجوز أن تكون { كلمة } بدلا من { مثلا } و{ شجرة } صفتها أو خبر مبتدأ محذوف أي هي { كشجرة } ، وأن تكون أول مفعولي ضرب إجراء له مجرى جعل وقد قرئت بالرفع على الابتداء . { أصلها ثابت } في الأرض ضارب بعروقه فيها . { وفرعها } وأعلاها . { في السماء } ويجوز أن يريد وفروعها أي أفنائها على الاكتفاء بلفظ الجنس لاكتسابه الاستغراق من الإضافة . وقرئ " ثابت أصلها " والأول على أصله ولذلك قيل إنه أقوى ولعل الثاني أبلغ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.